الْإِيمَانَ إذَا جَاءُوا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّهُمْ إذَا رَجَعُوا إلَى قَوْمِهِمْ أظهروا الكفر لقوله تعالى كُلَّما رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيها والفتنة هاهنا الشرك وقوله أُرْكِسُوا فِيها يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ قَبْلَ ذَلِكَ كَانُوا مُظْهِرِينَ لِلْإِسْلَامِ فَأَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى الْمُؤْمِنِينَ بِالْكَفِّ عَنْ هَؤُلَاءِ أَيْضًا إذَا اعْتَزَلُونَا وَأَلْقَوْا إلَيْنَا السَّلَمَ وَهُوَ الصُّلْحُ كَمَا أَمَرَنَا بِالْكَفِّ عَنْ الَّذِينَ يَصِلُونَ إلَى قَوْمٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَعَنْ الَّذِينَ جَاءُونَا وَقَدْ حُصِرَتْ صُدُورُهُمْ وَكَمَا قَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَكَمَا قَالَ وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ فَخَصَّ الْأَمْرَ بِالْقِتَالِ لِمَنْ يُقَاتِلُنَا دُونَ مَنْ لَمْ يُقَاتِلْنَا ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ عَلَى مَا قَدَّمْنَا مِنْ الرِّوَايَةِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ إنَّ هَذِهِ الْآيَاتِ غَيْرُ مَنْسُوخَةٍ وَجَائِزٌ لِلْمُسْلِمِينَ تَرْكُ قِتَالِ مَنْ لَا يُقَاتِلُهُمْ مِنْ الْكُفَّارِ إذْ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّ حُكْمَ هَذِهِ الْآيَاتِ فِي النَّهْيِ عَنْ قِتَالِ مَنْ اعْتَزَلَنَا وَكَفَّ عَنْ قِتَالِنَا مَنْسُوخٌ وَمِمَّنْ حُكِيَ عَنْهُ أَنَّ فَرْضَ الْجِهَادِ غير ثابت بن شُبْرُمَةَ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَسَنَذْكُرُ ذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى إلَّا أَنَّ هَذِهِ الْآيَاتِ فِيهَا حَظْرُ قِتَالِ مَنْ كَفَّ عَنْ قِتَالِنَا مَنْسُوخٌ وَمِمَّنْ حُكِيَ عَنْهُ أَنَّ فَرْضَ الجهاد غير ثابت بن شُبْرُمَةَ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَسَنَذْكُرُ ذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى إلَّا أَنَّ هَذِهِ الْآيَاتِ فِيهَا حَظْرُ قِتَالِ مَنْ كَفَّ عَنْ قِتَالِنَا مِنْ الْكُفَّارِ وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ الْفُقَهَاءِ يَحْظُرُ قِتَالَ مَنْ اعْتَزَلَ قِتَالَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي جَوَازِ تَرْكِ قِتَالِهِمْ لَا فِي حَظْرِهِ فَقَدْ حَصَلَ الِاتِّفَاقُ مِنْ الْجَمِيعِ عَلَى نَسْخِ حَظْرِ الْقِتَالِ لِمَنْ كَانَ وَصْفُهُ مَا ذَكَرْنَا وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ.
بَابُ قَتْلِ الْخَطَإِ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً قَالَ أَبُو بَكْرٍ قَدْ اُخْتُلِفَ فِي مَعْنَى كان هاهنا فَقَالَ قَتَادَةُ مَعْنَاهُ مَا كَانَ لَهُ ذَلِكَ فِي حُكْمِ اللَّهِ وَأَمْرِهِ وَقَالَ آخَرُونَ مَا كان له سبب جواز قتله وَقَالَ آخَرُونَ مَا كَانَ لَهُ ذَلِكَ فِيمَا سَلَفِ كَمَا لَيْسَ لَهُ الْآنَ وَاخْتُلِفَ أَيْضًا فِي مَعْنَى إلَّا فَقَالَ قَائِلُونَ هُوَ اسْتِثْنَاءٌ منقطع بمعنى لكن قد يقتله فَإِذَا وَقَعَ ذَلِكَ فَحُكْمُهُ كَيْتَ وَكَيْتَ وَهُوَ كما قال النابغة:
وقفت فيها أصيلا لا أُسَائِلُهَا عَيَّتْ جَوَابًا وَمَا بِالرَّبْعِ مِنْ أَحَدِ إلَّا الْأَوَارِيَ لَأْيًا مَا أُبَيِّنُهَا وَالنُّؤْيُ كَالْحَوْضِ بِالْمَظْلُومَةِ الْجَلَدِ وَقَالَ آخَرُونَ هُوَ اسْتِثْنَاءٌ صَحِيحٌ قَدْ أَفَادَ أَنَّ لَهُ أَنْ يَقْتُلَهُ خَطَأً فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ وَهُوَ أَنْ يَرَى عَلَيْهِ سيما المشركين أو يجده فِي حَيِّزِهِمْ فَيَظُنَّهُ مُشْرِكًا فَجَائِزٌ لَهُ قَتْلُهُ وَهُوَ خَطَأٌ كَمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute