للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ لَا تَجْعَلْ فِي عُنُقِك الصَّغَارَ قَالَ أبو بكر وخراج الأرض ليس بصغار لأنا لَا نَعْلَمُ خِلَافًا بَيْنَ السَّلَفِ أَنَّ الذِّمِّيَّ إذَا كَانَتْ لَهُ أَرْضُ خَرَاجٍ فَأَسْلَمَ أَنَّهُ يُؤْخَذُ الْخَرَاجُ مِنْ أَرْضِهِ وَيَسْقُطُ عَنْ رَأْسِهِ فَلَوْ كَانَ صَغَارًا لَسَقَطَ بِالْإِسْلَامِ

وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنَعَتْ الْعِرَاقُ قَفِيزَهَا وَدِرْهَمَهَا

يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَمَّا يَمْنَعُ الْمُسْلِمُونَ مِنْ حَقِّ اللَّهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ

قَالَ وَعُدْتُمْ كَمَا بَدَأْتُمْ

وَالصَّغَارُ لَا يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَى الْكُفَّارِ لِلْمُسْلِمِينَ

وقَوْله تعالى وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ يَعْنِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وللذين تبوؤا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يَعْنِي الْأَنْصَارَ وَقَدْ كَانَ إسْلَامُ الْمُهَاجِرِينَ قَبْلَ إسْلَامِ الْأَنْصَارِ وَلَكِنَّهُ أراد الذين تبوؤا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِ هِجْرَةِ الْمُهَاجِرِينَ وقَوْله تَعَالَى وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا قَالَ الْحَسَنُ يَعْنِي أَنَّهُمْ لَا يَحْسُدُونَ الْمُهَاجِرِينَ عَلَى فَضْلٍ آتَاهُمْ اللَّهُ تَعَالَى وَقِيلَ لَا يَجِدُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ضِيقًا لِمَا يُنْفِقُونَهُ عَلَيْهِمْ وقَوْله تَعَالَى وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ الخصاصة الحاجة فأثنى عَلَيْهِمْ بِإِيثَارِهِمْ الْمُهَاجِرِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ فِيمَا يُنْفِقُونَهُ عَلَيْهِمْ وَإِنْ كَانُوا هُمْ مُحْتَاجِينَ إلَيْهِ فَإِنْ قِيلَ

رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لَهُ مَعِي دِينَارٌ فَقَالَ أَنْفِقْهُ عَلَى نَفْسِك فَقَالَ مَعِي دِينَارٌ آخَرُ فَقَالَ أَنْفِقْهُ عَلَى عِيَالِك فَقَالَ مَعِي دِينَارٌ آخَرُ قَالَ تَصَدَّقْ بِهِ وَأَنَّ رَجُلًا جَاءَ بِبَيْضَةٍ مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ تَصَدَّقْ بِهَذِهِ فَإِنِّي مَا أَمْلِكُ غَيْرَهَا فَأَعْرَضَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَهُ مِنْ الشِّقِّ الْآخَرِ فَأَعْرَضَ عَنْهُ إلَى أَنْ أَعَادَ الْقَوْلَ فَأَخَذَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَمَاهُ بِهَا فَلَوْ أصابته لعقرته ثم قَالَ يَأْتِينِي أَحَدُهُمْ بِجَمِيعِ مَا يَمْلِكُ فَيَتَصَدَّقُ بِهِ ثُمَّ يَقْعُدُ يَتَكَفَّفُ النَّاسَ إنَّمَا الصَّدَقَةُ عَنْ ظَهْرِ غِنًى

وَأَنَّ رَجُلًا دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ وَالرَّجُلُ بِحَالِ بَذَاذَةٍ فَحَثَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الصَّدَقَةِ فطرح قوم ثيابا ودراهم فَأَعْطَاهُ ثَوْبَيْنِ ثُمَّ حَثَّهُمْ عَلَى الصَّدَقَةِ فَطَرَحَ الرَّجُلُ أَحَدَ ثَوْبَيْهِ فَأَنْكَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

فَفِي هَذِهِ الْأَخْبَارِ كَرَاهَةُ الْإِيثَارِ عَلَى النَّفْسِ وَالْأَمْرُ بِالْإِنْفَاقِ عَلَى النَّفْسِ ثُمَّ الصدقة بالفضل قبل لَهُ إنَّمَا كَرِهَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يَثِقْ مِنْهُ بِالصَّبْرِ عَلَى الْفَقْرِ وَخَشِيَ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِلْمَسْأَلَةِ إذَا فَقَدَ مَا يُنْفِقُهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَالَ يَأْتِينِي أَحَدُهُمْ بِجَمِيعِ مَا يَمْلِكُ فَيَتَصَدَّقُ بِهِ ثُمَّ يَقْعُدُ يَتَكَفَّفُ النَّاسَ فَإِنَّمَا كَرِهَ الْإِيثَارَ لِمَنْ كَانَتْ هَذِهِ حَالُهُ فَأَمَّا الْأَنْصَارُ الَّذِينَ أَثْنَى اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِالْإِيثَارِ عَلَى النَّفْسِ فَلَمْ يكونوا بهذه

<<  <  ج: ص:  >  >>