للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في الأحكام على هَذَا الْمِنْهَاجِ جَرَى أَمْرُ التَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ الْفُقَهَاءِ إلَى يَوْمِنَا هَذَا وَإِنَّمَا أَنْكَرَ هَذَا قَوْمٌ حَشْوٌ جُهَّالٌ قَدْ حَمَلُوا أَشْيَاءَ مِنْ الْأَخْبَارِ لَا عِلْمَ لَهُمْ بِمَعَانِيهَا وَأَحْكَامِهَا فَعَجَزُوا عَنْ الْكَلَامِ فِيهَا وَاسْتِنْبَاطِ فِقْهِهَا

وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ غَيْرِ فَقِيهٍ وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ

وَهَذِهِ الطَّائِفَةُ المنكرة لذلك كمن قال تَعَالَى مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا وقوله تعالى إن تبد لكم تسؤكم مَعْنَاهُ إنْ تَظْهَرْ لَكُمْ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ فِيمَنْ سَأَلَ مِثْلَ سُؤَالِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ وَالرَّجُلِ الَّذِي قَالَ أَيْنَ أَنَا لِأَنَّ إظْهَارَ أَحْكَامِ الْحَوَادِثِ لَا يَسُوءُ السائلين لأنهم إنما يسئلون عَنْهَا لِيَعْلَمُوا أَحْكَامَ اللَّهِ تَعَالَى فِيهَا ثُمَّ قال الله تعالى وإن تسئلوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم يَعْنِي فِي حَالِ نُزُولِ الْمَلَكِ وَتِلَاوَتِهِ الْقُرْآنَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ اللَّهَ يظهرها لكم وذلك مما يسؤكم ويضركم وقوله تعالى عفا الله عنها يَعْنِي هَذَا الضَّرْبَ مِنْ الْمَسَائِلِ لَمْ يُؤَاخِذْكُمْ اللَّهُ بِهَا بِالْبَحْثِ عَنْهَا وَالْكَشْفِ عَنْ حَقَائِقِهَا والعفو في هذا الموضوع التَّسْهِيلُ وَالتَّوَسُّعَةُ فِي إبَاحَةِ تَرْكِ السُّؤَالِ عَنْهَا كَمَا قَالَ تَعَالَى فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ وَمَعْنَاهُ سَهَّلَ عَلَيْكُمْ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ الْحَلَالُ ما أحل اللَّهُ وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ عَفْوٌ يَعْنِي تَسْهِيلٌ وَتَوَسُّعَةٌ وَمِثْلُهُ

قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَفَوْت لَكُمْ عَنْ صَدَقَةِ الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ

قَوْله تَعَالَى قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قبلكم ثم أصبحوا بها كافرين قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَوْمُ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ سَأَلُوا الْمَائِدَةَ ثُمَّ كَفَرُوا بِهَا وَقَالَ غَيْرُهُ قَوْمُ صَالِحٍ سَأَلُوا النَّاقَةَ ثُمَّ عَقَرُوهَا وَكَفَرُوا بِهَا وَقَالَ السُّدِّيُّ هَذَا حِينَ سَأَلُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُحَوِّلَ لَهُمْ الصَّفَا ذَهَبًا وَقِيلَ إنَّ قَوْمًا سَأَلُوا نَبِيَّهُمْ عَنْ مِثْلِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي سَأَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُذَافَةَ وَمَنْ قَالَ أَيْنَ أَنَا فَلَمَّا أَخْبَرَهُمْ بِهِ نَبِيُّهُمْ سَاءَهُمْ فَكَذَّبُوا بِهِ وَكَفَرُوا

قَوْله تَعَالَى مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سَائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حَامٍ رَوَى الزُّهْرِيُّ عَنْ سَعِيدٍ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ الْبُحَيْرَةُ مِنْ الْإِبِلِ يُمْنَعُ دَرُّهَا لِلطَّوَاغِيتِ وَالسَّائِبَةُ مِنْ الْإِبِلِ كَانُوا يُسَيِّبُونَهَا لَطَوَاغِيتِهِمْ وَالْوَصِيلَةُ كَانَتْ النَّاقَةُ تُبَكِّرُ بِالْأُنْثَى ثُمَّ تُثْنِي بِالْأُنْثَى فَيُسَمُّونَهَا الوصيلة يقولون وصلت اثنتين لَيْسَ بَيْنَهُمَا ذَكَرٌ فَكَانُوا يَذْبَحُونَهَا لَطَوَاغِيتِهِمْ وَالْحَامِي الْفَحْلُ مِنْ الْإِبِلِ كَانَ يَضْرِبُ الضِّرَابَ الْمَعْدُودَ فَإِذَا بَلَغَ ذَلِكَ يُقَالُ حَمَى ظَهْرَهُ فَيُتْرَكُ فَيُسَمُّونَهُ الْحَامِيَ وَقَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْبُحَيْرَةُ النَّاقَةُ الَّتِي تُشَقُّ أُذُنُهَا يُقَالُ بَحَرْت أُذُنَ النَّاقَةِ أَبَحَرُهَا بَحْرًا وَالنَّاقَةُ مَبْحُورَةٌ وَبُحَيْرَةٌ إذَا شَقَقْتهَا وَاسِعًا وَمِنْهُ الْبَحْرُ لَسَعَتِهِ قَالَ وَكَانَ

<<  <  ج: ص:  >  >>