[خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ] لَمَّا دَخَلَ فِي الْجُمْلَةِ مَنْ يَعْقِلُ أَجْرَى الْجَمِيعَ مَجْرًى وَاحِدًا وَهَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ أُصُولَ اللُّغَاتِ كُلِّهَا تَوْقِيفٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى لِآدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَيْهَا عَلَى اخْتِلَافِهَا وَأَنَّهُ عَلَّمَهُ إيَّاهَا بِمَعَانِيهَا إذْ لَا فَضِيلَةَ فِي مَعْرِفَةِ الْأَسْمَاءِ دُونَ الْمَعَانِي وَهِيَ دَلَالَةٌ عَلَى شَرَفِ الْعِلْمِ وَفَضِيلَتِهِ لِأَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَرَادَ إعْلَامَ الْمَلَائِكَةِ فَضِيلَةَ آدَمَ عَلَّمَهُ الْأَسْمَاءَ بِمَعَانِيهَا حَتَّى أَخْبَرَ الْمَلَائِكَةَ بِهَا وَلَمْ تَكُنْ الْمَلَائِكَةُ عَلِمَتْ مِنْهَا مَا عَلِمَهُ آدَم فَاعْتَرَفَتْ لَهُ بِالْفَضْلِ فِي ذَلِكَ وَمِنْ النَّاس مَنْ يَقُولُ إنَّ لُغَةَ آدَمَ وَوَلَدِهِ كَانَتْ وَاحِدَةً إلَى زَمَانِ الطُّوفَانِ فَلَمَّا أَغْرَقَ اللَّه تَعَالَى أَهْلَ الْأَرْضِ وَبَقِيَ مِنْ نَسْلِ نُوحٍ مَنْ بَقِيَ وَتُوُفِّيَ نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَتَوَالَدُوا وَكَثُرُوا أَرَادُوا بِنَاءَ صَرْحٍ بِبَابِلَ يَمْتَنِعُونَ بِهِ مِنْ طوفان أن كَانَ بَلْبَلَ اللَّهُ أَلْسِنَتَهُمْ فَنَسِيَ كُلُّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ اللِّسَانَ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ وَعَلَّمَهَا اللَّهُ الألسنة التي توارثها بعد ذلك ذريتهم عنهم وَتَفَرَّقُوا فِي الْبُلْدَانِ وَانْتَشَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَأْبَى ذَلِكَ وَيَقُولُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَنْسَى إنْسَانٌ كَامِلُ الْعَقْلِ جَمِيعَ لُغَتِهِ الَّتِي كَانَ يَتَكَلَّمُ بِهَا بِالْأَمْسِ وَإِنَّهُمْ قَدْ كَانُوا عَارِفِينَ بِجَمِيعِ اللُّغَاتِ إلَى أَنْ تَفَرَّقُوا فَاقْتَصَرَ كُلُّ أُمَّةٍ مِنْهُمْ عَلَى اللِّسَانِ الَّذِي هُمْ عَلَيْهِ الْيَوْمَ وَتَرَكُوا سَائِرَ الْأَلْسِنَةِ الَّتِي كَانُوا عَرَفُوهَا وَلَمْ تَأْخُذْهَا عَنْهُمْ أَوْلَادُهُمْ وَنَسْلُهُمْ فَلِذَلِكَ لَمْ يَعْرِفْ مِنْ نَشَأَ بَعْدَهُمْ سَائِرَ اللغات.
بَابِ السُّجُودِ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى
قَالَ اللَّه تَعَالَى [وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا] رَوَى شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ الطَّاعَةَ كَانَتْ لِلَّهِ تَعَالَى فِي السُّجُودِ لِآدَمَ أَكْرَمَهُ اللَّهُ بِذَلِكَ وَرَوَى مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ [وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً] قَالَ كَانَتْ تَحِيَّتُهُمْ السُّجُودَ وَلَيْسَ يَمْتَنِعُ أَنْ يكون ذلك السجود عبادة الله تَعَالَى وَتَكْرِمَةً وَتَحِيَّةً لِآدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَكَذَلِكَ سُجُودُ إخْوَةِ يُوسُفَ عَلَيْهِمْ السَّلَامُ وَأَهْلِهِ لَهُ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعِبَادَةَ لَا تَجُوزُ لِغَيْرِ اللَّهِ تعالى والتحية والتكرمة جائز ان لِمَنْ يَسْتَحِقُّ ضَرْبًا مِنْ التَّعْظِيمِ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ إنَّ السُّجُودَ كَانَ لِلَّهِ وَآدَمَ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْقِبْلَةِ لَهُمْ وَلَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ لِأَنَّهُ يُوجِبُ أَنْ لَا يَكُونَ لِآدَمَ فِي ذَلِكَ حَظٌّ مِنْ التَّفْضِيلِ وَالتَّكْرِمَةِ وَظَاهِرُ ذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ آدَم مُفَضَّلًا مُكَرَّمًا فَذَلِكَ كَظَاهِرِ الْحَمْدِ إذَا وَقَعَ لِمَنْ يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ يُحْمَلُ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَلَا يُحْمَلُ عَلَى مَا يُطْلَقُ مِنْ ذَلِكَ مَجَازًا كَمَا يُقَالُ أَخْلَاقُ فلان محمودة
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute