للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النَّاسِ يُوجِبُ إبَاحَةَ دِمَائِهِمْ إذْ كَانُوا بِمَنْزِلَةِ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ وَمَنْ قَصَدَ إنْسَانًا لِأَخْذِ مَالِهِ فَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ أَنَّ لَهُ قَتْلَهُ وَكَذَلِكَ

قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ طَلَبَ مَالَهُ فَقَاتَلَ فَقُتِلَ فَهُوَ شَهِيدٌ

وَفِي خَبَرٍ آخَرَ مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فهو شهيد ومن قتل دون أهله فهو شَهِيدٌ وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ

فَإِذَا كَانَ هَذَا حُكْمُ مَنْ طَلَبَ أَخْذَ مَالِ غَيْرِهِ غَصْبًا وَهُوَ مِمَّنْ يَنْتَحِلُ الْإِسْلَامَ فَالذِّمِّيُّ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ اسْتَحَقَّ الْقَتْلَ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا مَا اقْتَضَاهُ ظَاهِرُ الْآيَةِ مِنْ وُجُوبِ قَتْلِهِ وَالْآخَرُ قَصْدُهُ الْمُسْلِمَ بِأَخْذِ مَالِهِ ظلما.

بَابُ وَقْتُ وُجُوبِ الْجِزْيَةِ

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يؤمنون بالله- إلَى قَوْلِهِ- حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وهم صاغرون فَأَوْجَبَ قِتَالَهُمْ وَجَعَلَ إعْطَاءَ الْجِزْيَةِ غَايَةً لِرَفْعِهِ عَنْهُمْ لِأَنَّ حَتَّى غَايَةٌ هَذَا حَقِيقَةُ اللَّفْظِ وَالْمَفْهُومُ مِنْ ظَاهِرِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ قَوْلَهُ ولا تقربوهن حتى يطهرن قَدْ حَظَرَ إبَاحَةَ قُرْبِهِنَّ إلَّا بَعْدَ وُجُودِ طُهْرِهِنَّ وَكَذَلِكَ الْمَفْهُومُ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ لَا تُعْطِ زَيْدًا شَيْئًا حَتَّى يَدْخُلَ الدَّارَ مَنَعَ الْإِعْطَاءَ إلَّا بَعْدَ دُخُولِهِ فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ الْآيَةَ مُوجِبَةٌ لِقِتَالِ أَهْلِ الْكِتَابِ مُزِيلَةٌ ذَلِكَ عَنْهُمْ بِإِعْطَاءِ الْجِزْيَةِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْجِزْيَةَ قَدْ وَجَبَتْ بِعَقْدِ الذِّمَّةِ وَكَذَلِكَ كَانَ يَقُولُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ وَذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ قَالَ لَا تُؤْخَذُ مِنْ الذِّمِّيِّ الْجِزْيَةُ حَتَّى تَدْخُلَ السَّنَةُ وَيَمْضِيَ شَهْرَانِ مِنْهَا بَعْضُ مَا عَلَيْهِ بِشَهْرَيْنِ وَنَحْوُ ذَلِكَ يُعَامَلُ فِي الْجِزْيَةِ بِمَنْزِلَةِ الضَّرِيبَةِ كُلَّمَا كَانَ يَمْضِي شَهْرَانِ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ أُخِذَتْ مِنْهُ قَالَ أَبُو بَكْرٍ يَعْنِي بِالضَّرِيبَةِ الْأُجْرَةَ فِي الْإِجَارَاتِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَلَا يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْهُ حِينَ تَدْخُلُ السَّنَةُ وَلَا يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْهُ حَتَّى تَتِمَّ السَّنَةُ وَلَكِنْ يُعَامَلُ ذَلِكَ على سَنَتِهِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ ذِكْرُهُ لِلشَّهْرَيْنِ إنَّمَا هو توفية وهي واجبة بإقرارنا إياها عَلَى الذِّمَّةِ لِمَا تَضَمَّنَهُ ظَاهِرُ الْآيَةِ وَذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ فِي الذِّمِّيِّ يُؤْخَذُ مِنْهُ خراج رأسه في سنته مادام فِيهَا فَإِذَا انْقَضَتْ السَّنَةُ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ وَهَذَا يَدُلُّ مِنْ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَة عَلَى أَنَّهُ رَآهَا وَاجِبَةً بِعَقْدِ الذِّمَّةِ لَهُمْ وَأَنَّ تأخيرها بَعْضَ السَّنَةِ إنَّمَا هُوَ تَوْفِيَةٌ لِلْوَاجِبِ وَتَوْسِعَةٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَالَ فَإِذَا انْقَضَتْ السَّنَةُ لم يؤخذ مِنْهُ لِأَنَّ دُخُولَ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ يُوجِبُ جِزْيَةً أُخْرَى فَإِذَا اجْتَمَعَتَا سَقَطَتْ إحْدَاهُمَا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ اجْتِمَاعُهُمَا لَا يُسْقِطُ إحْدَاهُمَا وَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْجِزْيَةَ وَاجِبَةٌ عَلَى وَجْهِ الْعُقُوبَةِ لِإِقَامَتِهِمْ عَلَى الْكُفْرِ مَعَ

<<  <  ج: ص:  >  >>