للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المستحق من القتال والأمر وَالِاسْتِرْقَاقِ دُونَ الْمُثْلَةِ بِهِمْ وَتَعْذِيبِهِمْ وَقَتْلِ أَوْلَادِهِمْ ونساءهم قَصْدًا لِإِيصَالِ الْغَمِّ وَالْأَلَمِ إلَيْهِمْ وَكَذَلِكَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ حِينَ بَعَثَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى خَيْبَرَ خَارِصًا فَجَمَعُوا لَهُ شَيْئًا مِنْ حُلِيِّهِمْ وَأَرَادُوا دَفْعَهُ إلَيْهِ لِيُخَفِّفَ فِي الْخَرْصِ إنَّ هَذَا سُحْتٌ وَإِنَّكُمْ لَأَبْغَضُ إلَيَّ مِنْ عِدَّتِكُمْ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ وَمَا يَمْنَعُنِي ذَلِكَ مِنْ أَنْ أَعْدِلَ عَلَيْكُمْ فَقَالُوا بِهَذَا قَامَتْ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ فَإِنْ قِيلَ لما قال هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْعَدْلَ نَفْسَهُ هُوَ التَّقْوَى فَكَيْفَ يَكُونُ الشَّيْءُ هُوَ أَقْرَبُ إلَى نَفْسِهِ قِيلَ مَعْنَاهُ هُوَ أَقْرَبُ إلَى أَنْ تَكُونُوا مُتَّقِينَ بِاجْتِنَابِ جَمِيعِ السَّيِّئَاتِ فَيَكُونُ الْعَدْلُ فِيمَا ذُكِرَ دَاعِيًا إلَى الْعَدْلِ فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ وَاجْتِنَابِ جَمِيعِ الْمَعَاصِي وَيَحْتَمِلُ هُوَ أَقْرَبُ لِاتِّقَاءِ النَّارِ وقوله هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى فَقَوْلُهُ هُوَ رَاجِعٌ إلَى الْمَصْدَرِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الْفِعْلُ كَأَنَّهُ قَالَ الْعَدْلُ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى كَقَوْلِ الْقَائِلِ مَنْ كَذَبَ كَانَ شَرًّا لَهُ يَعْنِي كَانَ الْكَذِبُ شَرًّا لَهُ

وقَوْله تَعَالَى وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً قد اختلف في المراد بالنقيب هاهنا فَقَالَ الْحَسَنُ الضَّمِينُ وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ الأمين وقال قتادة الشهيد على قومه وقبل إنَّ أَصْلَ النَّقِيبِ مَأْخُوذٌ مِنْ النَّقْبِ وَهُوَ الثُّقْبُ الْوَاسِعُ فَقِيلَ نَقِيبُ الْقَوْمِ لِأَنَّهُ يَنْقُبُ عَلَى أَحْوَالِهِمْ وَعَنْ مَكْنُونِ ضَمَائِرِهِمْ وَأَسْرَارِهِمْ فَسُمِّيَ رَئِيسُ الْعُرَفَاءِ نَقِيبًا لِهَذَا الْمَعْنَى وَأَمَّا قَوْلُ الْحَسَنِ إنَّهُ الضَّمِينُ فَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ الضَّمِينُ لِتَعَرُّفِ أَحْوَالِهِمْ وَأُمُورِهِمْ وَصَلَاحِهِمْ وَفَسَادِهِمْ وَاسْتِقَامَتِهِمْ وَعُدُولِهِمْ لِيَرْفَعَ ذَلِكَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَذَلِكَ

جَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْأَنْصَارِ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا

عَلَى هَذَا الْمَعْنَى وَقَوْلُ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ إنَّهُ الْأَمِينُ وَقَوْلُ قَتَادَةَ إنَّهُ الشَّهِيدُ يُقَارِبُ مَا قَالَ الْحَسَنُ أَيْضًا لِأَنَّهُ أَمِينٌ عَلَيْهِمْ وَشَهِيدٌ بِمَا يَعْمَلُونَ بِهِ وَيُجْرِي عَلَيْهِمْ أُمُورَهُمْ وَإِنَّمَا نَقَّبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النُّقَبَاءَ لِشَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا لِمُرَاعَاةِ أَحْوَالِهِمْ وَأُمُورِهِمْ وَإِعْلَامِهَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُدَبِّرَ فِيهِمْ بما روى وَالثَّانِي أَنَّهُمْ إذَا عَلِمُوا أَنَّ عَلَيْهِمْ نَقِيبًا كَانُوا أَقْرَبَ إلَى الِاسْتِقَامَةِ إذْ عَلِمُوا أَنَّ أَخْبَارَهُمْ تَنْتَهِي إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَحْتَشِمُ مُخَاطَبَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يَنُوبُهُ وَيَعْرِضُ لَهُ مِنْ الْحَوَائِجِ قَبْلَهُ فَيَقُومُ عَنْهُ النَّقِيبُ فِيهِ وَلَيْسَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ النَّقِيبُ ضَامِنًا عَنْهُمْ الْوَفَاءَ بِالْعَهْدِ وَالْمِيثَاقِ لِأَنَّ ذَلِكَ مَعْنَى لَا يَصِحُّ ضَمَانُهُ وَلَا يُمْكِنُ الضَّمِينَ فِعْلُهُ وَلَا الْقِيَامُ بِهِ فَعَلِمْنَا أَنَّهُ عَلَى الْمَعْنَى الْأَوَّلِ وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى قَبُولِ خَبَرِ الْوَاحِدِ لِأَنَّ نَقِيبَ كُلِّ قَوْمٍ إنَّمَا نُصِبَ لِيُعَرِّفَ

<<  <  ج: ص:  >  >>