للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ

- إلى قوله- سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ قَالَ السُّدِّيُّ بَخِلُوا أَنْ يُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأَنْ يُؤَدُّوا الزَّكَاةَ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ هُوَ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ بَخِلُوا أَنْ يُبَيِّنُوهُ لِلنَّاسِ وَهُوَ بِالزَّكَاةِ أَوْلَى كَقَوْلِهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ- إلَى قَوْلِهِ- يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وقوله تعالى سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا

وَرَوَى سَهْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا مِنْ صَاحِبِ كَنْزٍ لَا يُؤَدِّي زَكَاةَ كَنْزِهِ إلَّا جِيءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبِكَنْزِهِ فَيُحْمَى بِهَا جَبِينُهُ وَجَبْهَتُهُ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَ عِبَادِهِ

وَقَالَ مَسْرُوقٌ يَجْعَلُ الْحَقَّ الذي منعه حية فيطوقها فيقول مالي ومالك فَتَقُولُ الْحَيَّةُ أَنَا مَالُك وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ يُطَوَّقُ ثُعْبَانًا فِي عُنُقِهِ لَهُ أَسْنَانٌ فَيَقُولُ أنا ملك الَّذِي بَخِلْت بِهِ.

قَوْله تَعَالَى وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ قَدْ تَقَدَّمَ نَظِيرُهَا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَقَدْ رُوِيَ فِي ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَسَعِيدِ بن جبير والسدى أن الْمُرَادَ بِهِ الْيَهُودُ وَقَالَ غَيْرُهُمْ الْمُرَادُ بِهِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى وَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ الْمُرَادُ بِهِ كُلُّ مَنْ أُوتِيَ عِلْمًا فَكَتَمَهُ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ لَوْلَا آيَةٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى مَا حَدَّثْتُكُمْ بِهِ ثُمَّ تَلَا قَوْلَهُ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ فيعود الضمير في قوله لَتُبَيِّنُنَّهُ فِي قَوْلِ الْأَوَّلِينَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُمْ كَتَمُوا صِفَتَهُ وَأَمْرَهُ وَفِي قول الْآخَرِينَ عَلَى الْكِتَابِ فَيَدْخُلُ فِيهِ بَيَانُ أَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَائِرِ مَا فِي كُتُبِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.

قَوْله تَعَالَى إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ الْآيَاتُ الَّتِي فِيهَا مِنْ جِهَاتٍ أَحَدُهَا تَعَاقُبُ الْأَعْرَاضِ الْمُتَضَادَّةِ عَلَيْهَا مَعَ اسْتِحَالَةِ وُجُودِهَا عَارِيَّةً مِنْهَا وَالْأَعْرَاضُ مُحْدَثَةٌ وَمَا لَمْ يَسْبِقْ الْمُحْدَثَ فَهُوَ مُحْدَثٌ وَقَدْ دَلَّتْ أَيْضًا عَلَى أَنَّ خَالِقَ الْأَجْسَامِ لَا يُشْبِهُهَا لِأَنَّ الْفَاعِلَ لَا يشبه فعله وفيها الدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّ خَالِقَهَا قَادِرٌ لَا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ إذْ كَانَ خَالِقُهَا وَخَالِقُ الْأَعْرَاضِ الْمُضَمَّنَةِ بها وهو قادر على أضدادها إذ لَيْسَ بِقَادِرٍ يَسْتَحِيلُ مِنْهُ الْفِعْلُ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ فَاعِلَهَا قَدِيمٌ لَمْ يَزَلْ لِأَنَّ صِحَّةَ وُجُودِهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِصَانِعٍ قَدِيمٍ لَوْلَا ذَلِكَ لَاحْتَاجَ الْفَاعِلُ إلَى فَاعِلٍ آخَرَ إلَى مَا لَا نِهَايَةَ لَهُ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ صَانِعَهَا عَالِمٌ مِنْ حَيْثُ اسْتَحَالَ وُجُودُ الْفِعْلِ الْمُتْقَنِ الْمُحْكَمِ إلَّا مِنْ عَالِمٍ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَفْعَلَهُ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ حَكِيمٌ عَدْلٌ لِأَنَّهُ مُسْتَغْنٍ عَنْ فِعْلِ الْقَبِيحِ عَالِمٌ بِقُبْحِهِ فَلَا تَكُونُ أفعاله إلا

<<  <  ج: ص:  >  >>