للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن أردت أن أنصح لكم قَبْلَ اسْتِتْمَامِ الْجَوَابِ فَصَارَ تَقْدِيرُهُ وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ إنْ أَرَدْت أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ وَهَذَا الْمَعْنَى فِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَالْفَرَّاءِ فِي مَسَائِلَ قَدْ ذَكَرْنَاهَا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الكبير وقوله يريد أن يغويكم أَيْ يُخَيِّبَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ يُقَالُ غَوَى يَغْوِي غيا ومنه فسوف يلقون غيا وَقَالَ الشَّاعِرُ:

فَمَنْ يَلْقَ خَيْرًا يَحْمَدْ النَّاسُ أمره ... ومن يغو لا يعدم من الْغَيِّ لَائِمَا

وَحَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ غُلَامُ ثَعْلَبٍ عَنْ ثَعْلَبٍ عَنْ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ قَالَ يُقَالُ غَوَى الرَّجُلُ يَغْوِي غَيًّا إذَا فَسَدَ عَلَيْهِ أَمْرُهُ أَوْ فَسَدَ هُوَ فِي نَفْسِهِ قَالَ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى فِي قِصَّةِ آدَمَ وَعَصَى آدم ربه فغوى أَيْ فَسَدَ عَلَيْهِ عَيْشُهُ فِي الْجَنَّةِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَهَذَا يُؤَوَّلُ إلَى الْمَعْنَى الْأَوَّلِ وَذَلِكَ أَنَّ الْخَيْبَةَ فِيهَا فَسَادُ الْعَيْشِ فَقَوْلُهُ يغويكم يُفْسِدُ عَلَيْكُمْ عَيْشَكُمْ وَأَمْرَكُمْ بِأَنْ يُخَيِّبَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ

قَوْله تَعَالَى وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا يَعْنِي بِحَيْثُ نَرَاهَا فَكَأَنَّهَا تُرَى بِأَعْيُنٍ عَلَى طَرِيقِ الْبَلَاغَةِ وَالْمَعْنَى بِحِفْظِنَا إيَّاكَ حِفْظَ مَنْ يَرَاك وَيَمْلِكُ دَفْعَ السُّوءِ عَنْك وَقِيلَ بِأَعْيُنِ أو أَوْلِيَائِنَا مِنْ الْمَلَائِكَةِ الْمُوَكَّلِينَ بِك وَقَوْلُهُ وَوَحْيِنَا يَعْنِي عَلَى مَا أَوْحَيْنَا إلَيْك مِنْ صِفَتِهَا وَحَالِهَا وَيَجُوزُ بِوَحْيِنَا إلَيْك أَنْ اصْنَعْهَا

وقَوْله تعالى فإنا نسخر منكم كما تسخرون مَجَازٌ وَإِنَّمَا أُطْلِقَ ذَلِكَ لِأَنَّ جَزَاءَ الذَّمِّ عَلَى السُّخْرِيَةِ بِالْمِقْدَارِ الْمُسْتَحَقِّ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَجَزَاءُ سيئة سيئة مثلها وقَوْله تَعَالَى قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مستهزؤن الله يستهزى بهم وَقَالَ بَعْضُهُمْ مَعْنَاهُ فَإِنَّا نَسْتَجْهِلُكُمْ كَمَا تَسْتَجْهِلُونَ

قَوْله تَعَالَى وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إن ابنى من أهلى سَمَّى ابْنَهُ مِنْ أَهْلِهِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ أَوْصَى لِأَهْلِهِ بِثُلُثِ مَالِهِ أَنَّهُ عَلَى مَنْ هُوَ فِي عِيَالِهِ ابْنًا كَانَ أَوْ زَوْجَةً أَوْ أَخًا أَوْ أَجْنَبِيًّا وَكَذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ لِلزَّوْجَةِ خَاصَّةً وَلَكِنْ اُسْتُحْسِنَ فَجَعَلَهُ لِجَمِيعِ مَنْ تَضَمَّنَهُ مَنْزِلُهُ وهو في عيال وَقَوْلُ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي آيَةٍ أُخْرَى وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الكرب العظيم فَسَمَّى جَمِيعَ مَنْ ضَمَّهُ مَنْزِلُهُ وَسَفِينَتُهُ مِنْ أَهْلِهِ وَقَوْلُ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ إنَّ ابْنِي من أهلى يعنى من أهلى الذي وَعَدْتَنِي أَنْ تُنْجِيَهُمْ فَأَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِك الَّذِينَ وَعَدْتُك أَنْ أُنْجِيَهُمْ

قوله تعالى إنه عمل غير صالح قِيلَ فِيهِ مَعْنَاهُ ذُو عَمَلٍ غَيْرِ صَالِحٍ فَجَاءَ عَلَى الْمُبَالَغَةِ فِي الصِّفَةِ كَمَا قَالَتْ الْخَنْسَاءِ:

تَرْتَعُ مَا رَتَعَتْ حَتَّى إذَا ادَّكَرَتْ ... فَإِنَّمَا هِيَ إقْبَالٌ وَإِدْبَارُ

<<  <  ج: ص:  >  >>