للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأَكْفَاءَ وَأَنْكَحُوهُنَّ وَاخْتَارُوا لِنُطَفِكُمْ وَإِيَّاكُمْ وَالزِّنْجَ فَإِنَّهُ خَلْقٌ مُشَوَّهٌ

قَوْلُهُ أَنْكِحُوا الْأَكْفَاءَ

يَدُلُّ عَلَى نكاح الأمة لأنها ليست بكفؤ للحر

وقوله واختاروا لِنُطَفِكُمْ

يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا لِئَلَّا يَصِيرَ ولده عبدا مملوكا وماؤه حر فينتقل بتزويجه إلَى الرِّقِّ

وَرُوِيَ فِي خَبَرٍ آخِرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قال تَخَيَّرُوا لِنُطَفِكُمْ فَإِنَّ عِرْقَ السُّوءِ يُدْرِكُ

وَلَوْ بعد حين وقَوْله تَعَالَى يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ يَعْنِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ يُرِيدُ لِيُبَيِّنَ لَنَا مَا بِنَا الْحَاجَةُ إلَى مَعْرِفَتِهِ وَالْبَيَانُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا بِالنَّصِّ وَالْآخَرُ بِالدَّلَالَةِ وَلَا تَخْلُو حَادِثَةٌ صَغِيرَةٌ وَلَا كَبِيرَةٌ إلَّا وَلِلَّهِ فِيهَا حُكْمٌ إمَّا بِنَصٍّ وَإِمَّا بِدَلِيلٍ وَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِهِ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ وقوله هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ وَقَوْلِهِ مَا فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ

وقوله وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ إنَّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا حَرَّمَهُ عَلَيْنَا وَبَيَّنَ لَنَا تَحْرِيمَهُ مِنْ النِّسَاءِ فِي الْآيَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قَبْلَ هَذِهِ الْآيَةِ كَانَ مُحَرَّمًا عَلَى الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِنَا مِنْ أُمَمِ الْأَنْبِيَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَقَالَ آخَرُونَ لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى اتِّفَاقِ الشَّرَائِعِ وإنما معناه له يَهْدِيكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ فِي بَيَانِ مَا لَكُمْ فِيهِ مِنْ الْمَصْلَحَةِ كَمَا بَيَّنَهُ لَهُمْ وَإِنْ كَانَتْ الْعِبَادَاتُ وَالشَّرَائِعُ مُخْتَلِفَةً فِي أَنْفُسِهَا إلَّا أَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ مُخْتَلِفَةً فِي أَنْفُسِهَا فَهِيَ مُتَّفِقَةٌ فِي بَابِ الْمَصَالِحِ وَقَالَ آخَرُونَ يُبَيِّنُ لَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنْ أَهْلِ الْحَقِّ وَغَيْرِهِمْ لِتَجْتَنِبُوا الْبَاطِلَ وَتُحِبُّوا الحق وقوله تعالى وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ يدل على بطلان مذهب أهل الأخبار لِأَنَّهُ أَخْبَرَ أَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْنَا وَزَعَمَ هَؤُلَاءِ أَنَّهُ يُرِيدُ مِنْ الْمُصِرِّينَ الْإِصْرَارَ وَلَا يُرِيدُ مِنْهُمْ التَّوْبَةَ وَالِاسْتِغْفَارَ

قَوْله تَعَالَى يُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ فَقَالَ قَائِلُونَ الْمُرَادُ بِهِ كُلُّ مُبْطِلٍ لِأَنَّهُ يَتْبَعُ شَهْوَةَ نَفْسِهِ فِيمَا وَافَقَ الْحَقَّ أَوْ خَالَفَهُ وَلَا يَتْبَعُ الْحَقَّ فِي مُخَالِفَةِ الشَّهْوَةِ وَقَالَ مُجَاهِدُ أَرَادَ بِهِ الزِّنَا وَقَالَ السُّدِّيُّ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى وَقَوْلُهُ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيماً يَعْنِي بِهِ الْعُدُولَ عَنْ الِاسْتِقَامَةِ بِالِاسْتِكْثَارِ مِنْ الْمَعْصِيَةِ وَتَكُونُ إرَادَتُهُمْ لِلْمِيلِ عَلَى أَحَدِ وَجْهَيْنِ إمَّا لِعَدَاوَتِهِمْ أَوْ لِلْأُنْسِ بِهِمْ وَالسُّكُونِ إلَيْهِمْ فِي الْإِقَامَةِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ فَأَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ إرَادَتَهُ لَنَا خِلَافُ إرَادَةِ هَؤُلَاءِ وَقَدْ دَلَّتْ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ الْقَصْدَ فِي اتِّبَاعِ الشَّهْوَةِ مَذْمُومٌ إلَّا أَنْ يُوَافِقَ الْحَقَّ فَيَكُونُ حِينَئِذٍ غَيْرَ مَذْمُومٍ فِي اتِّبَاعِ شَهْوَتِهِ إذْ كَانَ قَصْدُهُ اتِّبَاعَ الْحَقِّ وَلَكِنْ مَنْ كَانَ هَذَا سَبِيلُهُ لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ مُتَّبِعٌ لشهوته لأن قصده فِيهِ اتِّبَاعُ الْحَقِّ وَافَقَ شَهْوَتَهُ أَوْ خَالَفَهَا

قوله تعالى

<<  <  ج: ص:  >  >>