أَبُو بَكْرٍ وَهَذَا السَّكَرُ الْمُحَرَّمُ عِنْدنَا هُوَ نَقِيعُ التَّمْرِ قَوْله تَعَالَى نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خالِصاً سائِغاً لِلشَّارِبِينَ فِيهِ الدَّلَالَةُ عَلَى طَهَارَةِ اللَّبَنِ الْمَحْلُوبِ مِنْ الشَّاةِ الْمَيْتَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدِهِمَا عُمُومُ اللَّفْظِ فِي إبَاحَةِ اللَّبَنِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا وَالثَّانِي إخْبَارُهُ تَعَالَى أَنَّهُ خَارِجٌ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ وَحُكْمُهُ بِطَهَارَتِهِ مَعَ ذَلِكَ إذْ كَانَ ذَلِكَ مَوْضِعَ الْخِلْقَةِ فَثَبَتَ أَنَّ اللَّبَنَ لَا يُنَجَّسُ بِنَجَاسَةِ مَوْضِعِ الْخِلْقَةِ وَهُوَ ضَرْعُ الْمَيْتَةِ كَمَا لَمْ يُنَجَّسْ بِمُجَاوَرَتِهِ لِلْفَرْثِ وَالدَّمِ
قَوْله تَعَالَى يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ فِيهِ بَيَانُ طَهَارَةِ الْعَسَلِ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْ النَّحْلِ الْمَيِّتِ وَفِرَاخِهِ فِيهِ وَحَكَمَ اللَّهُ تَعَالَى مَعَ ذَلِكَ بِطَهَارَتِهِ فَأَخْبَرَ عَمَّا فِيهِ مِنْ الشِّفَاءِ لِلنَّاسِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أن مالا دَمَ لَهُ لَا يُفْسِدُ مَا يَمُوتُ فِيهِ
قَوْله تَعَالَى وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلى ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ أَنَّهُمْ لَا يُشْرِكُونَ عَبِيدَهُمْ فِي أَمْوَالِهِمْ حَتَّى يَكُونُوا فِيهِ سَوَاءً وَهُمْ لَا يَرْضَوْنَ بِذَلِكَ لِأَنْفُسِهِمْ وَهُمْ يُشْرِكُونَ عَبِيدِي فِي مُلْكِي وَسُلْطَانِي وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ سَوَاءٌ فِي أَنِّي رَزَقْت الْجَمِيعَ وَأَنَّهُ لَا يُمْكِنْ أَحَدٌ أَنْ يَرْزُقَ عَبْدَهُ إلَّا بِرِزْقِي إيَّاهُ قَالَ أَبُو بَكْرٍ قَدْ تَضَمَّنَتْ الْآيَةُ انْتِفَاءَ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَ الْمَوْلَى وَبَيْنَ عَبْدِهِ فِي الْمِلْكِ وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدِهِمَا أَنَّهُ لَوْ جَازَ أَنْ يَمْلِكَ الْعَبْدُ مَا يَمْلِكُهُ الْمَوْلَى إيَّاهُ لَجَازَ أَنْ يُمَلِّكَهُ مَالَهُ فَيَمْلِكُهُ حَتَّى يَكُونَ مُسَاوِيًا لَهُ وَيَكُونَ مِلْكُ الْعَبِيدِ مِثْلَ مِلْكِ الْمَوْلَى بَلْ كَانَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ أَفْضَلَ فِي بَابِ الْمِلْكِ وَأَكْثَرَ مِلْكًا وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ وَإِنْ مَلَّكَهُ الْمَوْلَى إيَّاهُ لِأَنَّ الْآيَةَ قَدْ اقْتَضَتْ نَفْيَ الْمُسَاوَاةِ لَهُ فِي الْمِلْكِ وَأَيْضًا لَمَّا جَعَلَهُ مَثَلًا لِلْمُشْرِكِينَ في عباداتهم الْأَوْثَانَ وَكَانَ مَعْلُومًا أَنَّ الْأَوْثَانَ لَا تَمْلِكُ شَيْئًا دَلَّ عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ لِنَفْيِهِ الشَّرِكَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحُرِّ كَمَا نَفَى الشَّرِكَةَ بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ الْأَوْثَانِ
قَوْله تَعَالَى وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الْحَفَدَةَ الْخَدَمُ وَالْأَعْوَانُ وَقَالَ الْحَسَنُ مَنْ أَعَانَك فَقَدْ حَفَدَك وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَطَاوُسٌ الْحَفَدَةُ الْخَدَمُ وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبِي الضُّحَى وَإِبْرَاهِيمَ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالُوا الْحَفَدَةُ الْأُخْتَانِ وَيُقَالُ إنَّ أَصْلَ الْحَفْدِ الْإِسْرَاعُ فِي الْعَمَلِ وَمِنْهُ وَإِلَيْك نَسْعَى وَنَحْفِدُ وَالْحَفَدَةُ جَمْعُ حَافِدٍ كَقَوْلِك كَامِلٌ وَكَمَلَةٌ قَالَ أَبُو بَكْرٍ لَمَّا تَأَوَّلَهُ السَّلَفُ عَلَى هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ مِنْ الْخَدَمِ وَالْأَعْوَانِ وَمِنْ الْأُخْتَانِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِمَا وَفِيهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute