الِاسْتِعْدَادِ لِلْحَرْبِ وَالتَّأَهُّبِ لَهَا فَاسْتَعَدُّوا وَتَأَهَّبُوا فَصَارَ اسْمُ النَّارِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مُفِيدًا لِلتَّأَهُّبِ لِلْحَرْبِ وَقَدْ قِيلَ فِيهِ وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ الْقَبَائِلَ كَانَتْ إذَا رَأَتْ التَّحَالُفَ عَلَى التَّنَاصُرِ عَلَى غَيْرِهِمْ وَالْجِدَّ فِي حَرْبِهِمْ وَقِتَالِهِمْ أَوْقَدُوا نَارًا عَظِيمَةً ثُمَّ قَرُبُوا مِنْهَا وَتَحَالَفُوا بِحِرْمَانِ مَنَافِعِهَا إنْ هُمْ غَدَرُوا أَوْ نَكَلُوا عَنْ الْحَرْبِ وَقَالَ الْأَعْشَى:
وَأَوْقَدْت لِلْحَرْبِ نَارًا
قَوْله تَعَالَى يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ فِيهِ أَمْرٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بتبليغ الناس جميعا وما أَرْسَلَهُ بِهِ إلَيْهِمْ مِنْ كِتَابِهِ وَأَحْكَامِهِ وَأَنْ لَا يَكْتُمَ مِنْهُ شَيْئًا خَوْفًا مِنْ أَحَدٍ وَلَا مُدَارَاةً لَهُ وَأُخْبِرَ أَنَّهُ إنْ تَرَكَ تَبْلِيغَ شَيْءٍ مِنْهُ فَهُوَ كَمَنْ لَمْ يُبَلِّغْ شَيْئًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ فَلَا يَسْتَحِقُّ مَنْزِلَةَ الْأَنْبِيَاءِ الْقَائِمِينَ بِأَدَاءِ الرِّسَالَةِ وَتَبْلِيغِ الْأَحْكَامِ وَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ يَعْصِمُهُ مِنْ النَّاسِ حَتَّى لَا يَصِلُوا إلَى قَتْلِهِ وَلَا قَهْرِهِ وَلَا أَسْرِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ وَفِي ذَلِكَ إخْبَارُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ تَقِيَّةٌ مِنْ إبْلَاغِ جَمِيعِ مَا أُرْسِلَ بِهِ إلَى جَمِيعِ مَنْ أُرْسِلَ إلَيْهِمْ وَفِيهِ الدَّلَالَةُ عَلَى بُطْلَانِ قَوْلِ الرَّافِضَةِ فِي دَعْوَاهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَمَ بَعْضَ الْمَبْعُوثِينَ إلَيْهِمْ عَلَى سَبِيلِ الْخَوْفِ وَالتَّقِيَّةِ لِأَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَهُ بِالتَّبْلِيغِ وَأَخْبَرَ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ تَقِيَّةٌ بقوله تعالى وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا كَانَ مِنْ الْأَحْكَامِ بِالنَّاسِ إلَيْهِ حَاجَةٌ عَامَّةٌ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ بَلَّغَهُ الْكَافَّةَ وَأَنَّ وُرُودَهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِنْ طَرِيقِ التَّوَاتُرِ نَحْوُ الْوُضُوءِ مِنْ مَسَّ الذَّكَرِ وَمَنْ مَسَّ الْمَرْأَةِ وَمِمَّا مَسَّتْهُ النَّارُ وَنَحْوُهَا لِعُمُومِ الْبَلْوَى بِهَا فَإِذَا لَمْ نَجِدْ مَا كَانَ مِنْهَا بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ وَارِدًا مِنْ طَرِيقِ التَّوَاتُرِ عَلِمْنَا أَنَّ الْخَبَرَ غَيْرُ ثَابِتٍ فِي الْأَصْلِ أَوْ تَأْوِيلُهُ وَمَعْنَاهُ غَيْرُ مَا اقْتَضَاهُ ظَاهِرُهُ مِنْ نَحْوِ الْوُضُوءِ الَّذِي هُوَ غَسْلُ الْيَدِ دُونَ وُضُوءِ الْحَدَثِ وَقَدْ دَلَّ قَوْله تعالى وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ عَلَى صِحَّةِ نُبُوَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم إذا كَانَ مِنْ أَخْبَارِ الْغُيُوبِ الَّتِي وُجِدَ مُخْبَرُهَا عَلَى مَا أَخْبَرَ بِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ أَحَدٌ بِقَتْلٍ وَلَا قَهْرٍ وَلَا أَسْرٍ مَعَ كَثْرَةِ أَعْدَائِهِ الْمُحَارَبِينَ لَهُ مُصَالَتَةً وَالْقَصْدِ لِاغْتِيَالِهِ مُخَادَعَةً نَحْوُ مَا فَعَلَهُ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ وَأَرْبِدُ فَلَمْ يَصِلَا إلَيْهِ وَنَحْوُ مَا قَصَدَهُ بِهِ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ الْجُمَحِيُّ بِمُوَاطَأَةٍ مِنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ فَأَعْلَمَهُ اللَّهُ إيَّاهُ فَأَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُمَيْرَ بْنَ وَهْبٍ بِمَا تَوَاطَأَ هُوَ وَصَفْوَانُ بْنُ أمية عليه وهما في الحجر من اغتساله فَأَسْلَمَ عُمَيْرٌ وَعَلِمَ أَنَّ مِثْلَهُ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْ عِنْدِ الله
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute