يَفْتَحَ قُصُورَ الشَّامِّ وَحُصُونَهَا هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ فَأَطْلَعَ اللَّهُ نَبِيَّهُ عَلَى ذَلِكَ فَأَخْبَرَ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ كُفْرٌ مِنْهُمْ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ قَالُوهُ من جد أو هزل فدل عَلَى اسْتِوَاءِ حُكْمِ الْجَادِّ وَالْهَازِلِ فِي إظْهَارِ كَلِمَةِ الْكُفْرِ وَدَلَّ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الِاسْتِهْزَاءَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَبِشَيْءٍ مِنْ شَرَائِعِ دِينِهِ كُفْرٌ فَاعِلِهِ
قَوْله تَعَالَى الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بعض أَضَافَ بَعْضَهُمْ إلَى بَعْضٍ بِاجْتِمَاعِهِمْ عَلَى النِّفَاقِ فَهُمْ مُتَشَاكِلُونَ مُتَشَابِهُونَ فِي تَعَاضُدِهِمْ عَلَى النِّفَاقِ وَالْأَمْرِ بِالْمُنْكَرِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمَعْرُوفِ كَمَا يُضَافُ بَعْضُ الشَّيْءِ إلَيْهِ لِمُشَاكَلَتِهِ لِلْجُمْلَةِ قَوْله تَعَالَى ويقبضون أيديهم فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ وَمُجَاهِدٍ عَنْ الْإِنْفَاقِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالَ قَتَادَةُ عَنْ كُلِّ خَيْرٍ وَقَالَ غَيْرُهُ عَنْ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونُوا قَبَضُوا أَيْدِيَهُمْ عَنْ جَمِيعِ ذَلِكَ فَيَكُونُ الْمُرَادُ جَمِيعَ مَا احْتَمَلَهُ اللَّفْظُ مِنْهُ وَقَوْلُهُ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ فَإِنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ تَرَكُوا أَمْرَهُ وَالْقِيَامَ بِطَاعَتِهِ حَتَّى صَارَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْمَنْسِيِّ إذْ لَمْ يَسْتَعْمِلُوا مِنْهُ شَيْئًا كَمَا لَا يُعْمَلُ بِالْمَنْسِيِّ وَقَوْلُهُ فَنَسِيَهُمْ مَعْنَاهُ أَنَّهُ تَرَكَهُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَسَمَّاهُ بِاسْمِ الذَّنْبِ لِمُقَابَلَتِهِ لِأَنَّهُ عُقُوبَةٌ وَجَزَاءٌ عَلَى الْفِعْلِ وَهُوَ مَجَازٌ كَقَوْلِهِمْ الْجَزَاءُ بِالْجَزَاءِ وَقَوْلِهِ وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا
وَنَحْوِ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ واغلظ عليهم رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ قَالَ جَاهِدْهُمْ بِيَدِك فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِك وَقَلْبِك فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَاكْفَهَرَّ فِي وُجُوهِهِمْ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ جَاهِدْ الْكُفَّارَ بِالسَّيْفِ وَالْمُنَافِقِينَ بِاللِّسَانِ وَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ جَاهِدْ الْكُفَّارَ بِالسَّيْفِ وَالْمُنَافِقِينَ بِإِقَامَةِ الْحُدُودِ وَكَانُوا أَكْثَرَ مَنْ يُصِيبُ الْحُدُودَ
قَوْله تَعَالَى يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم فِيهِ إخْبَارٌ عَنْ كُفَّارِ الْمُنَافِقِينَ وَكَلِمَةُ الْكُفْرِ كُلُّ كَلِمَةٍ فِيهَا جَحْدٌ لِنِعْمَةِ اللَّهِ أَوْ بَلَغَتْ مَنْزِلَتَهَا فِي الْعِظَمِ وَكَانُوا يَطْعَنُونَ فِي النُّبُوَّةِ وَالْإِسْلَامِ وَيُقَالُ إنَّ الْقَائِلَ لِكَلِمَةِ الْكُفْر الْجُلَاسُ بْنُ سُوَيْد بْنِ الصَّامِتِ قَالَ إنْ كَانَ مَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ حَقًّا لَنَحْنُ شَرٌّ مِنْ الْحَمِيرِ ثُمَّ حَلَفَ بِاَللَّهِ مَا قَالَ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَعُرْوَةَ وَابْنِ إِسْحَاقَ وَقَالَ قَتَادَةُ نَزَلَتْ فِي عَبْدِ اللَّهِ بن أبى بن سَلُولَ حِينَ قَالَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ ليخرجن الأعز منها الأذل وَقَالَ الْحَسَنُ كَانَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُنَافِقِينَ قَالُوا ذَلِكَ وَفِيمَا قَصَّ اللَّهُ عَلَيْنَا مِنْ شَأْنِ الْمُنَافِقِينَ وَإِخْبَارِهِ عَنْهُمْ بِاعْتِقَادِ الْكُفْرِ وَقَوْلِهِ ثُمَّ تَبْقِيَتِهِ إيَّاهُمْ وَاسْتِحْيَاؤُهُمْ لِمَا كَانُوا يُظْهِرُونَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمِينَ مِنْ الْإِسْلَامِ دَلَالَةٌ عَلَى قَبُولِ تَوْبَةِ الزِّنْدِيقِ الْمُسِرِّ لِلْكُفْرِ وَالْمُظْهِرِ لِلْإِيمَانِ
قَوْله تَعَالَى وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ الله لئن آتانا من
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://www.patreon.com/shamela4