عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى أَوْ نِسائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ فكان المفهوم من قوله أَوْ نِسائِهِنَّ الْحَرَائِرَ لَوْلَا ذَلِكَ لَمَا صَحَّ عَطْفُ قَوْلِهِ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ عَلَيْهِ لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يُعْطَفُ عَلَى نَفْسِهِ وقال تعالى وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ فَكَانَ عَلَى الزَّوْجَاتِ دُونَ مِلْكِ الْيَمِينِ فَلَمَّا كَانَ حُكْمُ الظِّهَارِ مَأْخُوذًا مِنْ الْآيَةِ وَكَانَ مُقْتَضَاهَا مَقْصُورًا عَلَى الزَّوْجَاتِ دُونَ مِلْكِ الْيَمِينِ لَمْ يَجُزْ إيجَابُهُ فِي مِلْكِ الْيَمِينِ إذْ لَا مَدْخَلَ لِلْقِيَاسِ فِي إثْبَاتِ ظِهَارٍ فِي غير ما ورد فيه ووجه آخر مَا بَيَّنَّا فِيمَا سَلَفَ أَنَّهُمْ قَدْ كَانُوا يُطَلِّقُونَ بِلَفْظِ الظِّهَارِ فَأَبْدَلَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ تَحْرِيمًا تَرْفَعُهُ الْكَفَّارَةُ فَلَمَّا لَمْ يَصِحَّ طَلَاقُ الْأَمَةِ لَمْ يَصِحَّ الظِّهَارُ مِنْهَا وَوَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ الظِّهَارَ يُوجِبُ تَحْرِيمًا مِنْ جِهَةِ الْقَوْلِ يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ وَالْأَمَةُ لَا يَصِحُّ تَحْرِيمُهَا مِنْ جِهَةِ الْقَوْلِ فَأَشْبَهَ سَائِرَ الْمَمْلُوكَاتِ مِنْ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ مَتَى حَرَّمَهَا بِالْقَوْلِ لَمْ تَحْرُمْ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ حَرَّمَ عَلَى نَفْسِهِ طَعَامًا أَوْ شَرَابًا لَمْ يَحْرُمْ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ إذَا أَكَلَ أَوْ شَرِبَ كَفَّارَةُ يَمِينٍ فَكَذَلِكَ مِلْكُ الْيَمِينِ وَجَبَ أَنْ لَا يَصِحَّ الظِّهَارُ مِنْهَا إذْ لَا يَصِحُّ تَحْرِيمُهَا مِنْ جِهَةِ الْقَوْلِ.
فِي الظِّهَارِ بِغَيْرِ الْأُمِّ
وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُخْتِي أَوْ ذَاتِ مَحْرَمٍ مِنْهُ فَقَالَ أَصْحَابُنَا هُوَ مُظَاهِرٌ وَإِنْ قَالَ كَظَهْرِ فُلَانَةَ وَلَيْسَتْ بِمَحْرَمٍ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ مُظَاهِرًا وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَقَالَ مَالِكٌ وَعُثْمَانُ الْبَتِّيُّ يَصِحُّ الظِّهَارُ بِالْمُحَرَّمِ وَالْأَجْنَبِيَّةِ وَلِلشَّافِعِيَّ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الظِّهَارَ لَا يَصِحُّ إلَّا بِالْأُمِّ وَالْآخَرُ أَنَّهُ يَصِحُّ بِذَوَاتِ الْمَحَارِمِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ لَمَّا صَحَّ الظِّهَارُ بِالْأُمِّ وَكَانَتْ ذَوَاتُ الْمَحَارِمِ كَالْأُمِّ فِي التَّحْرِيمِ وَجَبَ أَنْ يَصِحَّ الظِّهَارُ بِهِنَّ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُنَّ فِي جِهَةِ التَّحْرِيمِ أَلَا تَرَى أَنَّ الظِّهَارَ بِالْأُمِّ مِنْ الرَّضَاعَةِ صَحِيحٌ مَعَ عَدَمِ النَّسَبِ لِوُجُودِ التَّحْرِيمِ فَكَذَلِكَ سَائِرُ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ وَرُوِيَ نَحْوَ قَوْلِ أَصْحَابِنَا عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَالْحَسَنِ وَإِبْرَاهِيمَ وَعَطَاءٍ وَقَالَ الشَّعْبِيُّ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَنْسَ أَنْ يَذْكُرَ الْبَنَاتِ وَالْأَخَوَاتِ وَالْعَمَّاتِ إنَّمَا الظِّهَارُ مِنْ الْأُمِّ وَأَيْضًا لَمَّا قال تعالى وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ اقْتَضَى ظَاهِرُهُ الظِّهَارَ بِكُلِّ ذَاتِ مَحْرَمٍ إذْ لم يخصص الأم دون غيرها ومن قصرها عَلَى الْأُمِّ فَقَدْ خَصَّ بِلَا دَلِيلٍ فَإِنْ قِيلَ لَمَّا قَالَ تَعَالَى مَا هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ الظِّهَارَ بِالْأُمِّ قِيلَ لَهُ إنَّمَا ذَكَرَ الْأُمَّهَاتِ لِأَنَّهُنَّ مِمَّا اشْتَمَلَ عليهن حده الْآيَةِ وَذَلِكَ لَا يَنْفِي أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute