وهم صاغرون وَلَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّ سُورَةَ بَرَاءَةَ مِنْ أَوَاخِرِ من نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ وَكَانَ نُزُولُهَا حِينَ بَعَثَ النبي صلّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ عَلَى الْحَجِّ فِي السَّنَةِ التَّاسِعَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ وَسُورَةُ الْأَنْفَالِ نَزَلَتْ عَقِيبَ يَوْمِ بَدْرٍ بَيَّنَ فِيهَا حُكْمَ الْأَنْفَالِ وَالْغَنَائِمِ والعهود والموادعات سُورَةِ بَرَاءَةَ مُسْتَعْمَلٌ عَلَى مَا وَرَدَ وَمَا ذُكِرَ مِنْ الْأَمْرِ بِالْمُسَالَمَةِ إذَا مَالَ الْمُشْرِكُونَ إليها فحكم حُكْمٌ ثَابِتٌ أَيْضًا وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ حُكْمُ الْآيَتَيْنِ لاختلاف الحالين فالحال التي أمر فيها بالمسألة هِيَ حَالُ قِلَّةِ عَدَدِ الْمُسْلِمِينَ وَكَثْرَةِ عَدُوِّهِمْ وَالْحَالُ الَّتِي أَمَرَ فِيهَا بِقَتْلِ الْمُشْرِكِينَ وَبِقِتَالِ أَهْلِ الْكِتَابِ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ هِيَ حَالُ كَثْرَةِ الْمُسْلِمِينَ وَقُوَّتِهِمْ عَلَى عَدُوِّهِمْ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الأعلون والله معكم فَنَهَى عَنْ الْمُسَالَمَةِ عِنْدَ الْقُوَّةِ عَلَى قَهْرِ الْعَدُوِّ وَقَتْلِهِمْ وَكَذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا قَدَرَ بَعْضُ أَهْلِ الثُّغُورِ عَلَى قِتَالِ الْعَدُوِّ وَمُقَاوَمَتِهِمْ لَمْ تَجُزْ لَهُمْ مُسَالَمَتُهُمْ وَلَا يَجُوزُ لَهُمْ إقْرَارُهُمْ عَلَى الْكُفْرِ إلَّا بِالْجِزْيَةِ وَإِنْ ضَعُفُوا عَنْ قِتَالِهِمْ جَازَ لَهُمْ مُسَالَمَتُهُمْ كَمَا سَالَمَ النبي صلّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ كَثِيرًا مِنْ أَصْنَافِ الْكُفَّارِ وَهَادَنَهُمْ عَلَى وَضْعِ الْحَرْبِ بَيْنَهُمْ مِنْ غَيْرِ جِزْيَةٍ أَخَذَهَا مِنْهُمْ قَالُوا فَإِنْ قَوُوا بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى قِتَالِهِمْ نَبَذُوا إلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ ثُمَّ قَاتَلُوهُمْ قَالُوا وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُمْ دَفْعُ الْعَدُوِّ عَنْ أنفسهم إلا بما يَبْذُلُونَهُ لَهُمْ جَازَ لَهُمْ ذَلِكَ
لِأَنَّ النَّبِيَّ صلّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ قَدْ كَانَ صَالَحَ عُيَيْنَةَ بْنَ حِصْنٍ وَغَيْرَهُ يَوْمَ الْأَحْزَابِ عَلَى نِصْفِ ثِمَارِ الْمَدِينَةِ حَتَّى لَمَّا شَاوَرَ الْأَنْصَارَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّه هو أَمْرٌ أَمَرَك اللَّه بِهِ أَمْ الرَّأْيُ وَالْمَكِيدَةُ فقال النبي صلى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ لَا بَلْ هُوَ رَأْيٌ لِأَنِّي رَأَيْت الْعَرَبَ قَدْ رَمَتْكُمْ عَنْ قَوْسٍ وَاحِدَةٍ فَأَرَدْت أَنْ أَدْفَعَهُمْ عَنْكُمْ إلَى يَوْمٍ مَا فَقَالَ السعدان بْنُ عُبَادَةَ وَسَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ واللَّه يَا رسول اللَّه إنهم لم يكونوا يطعمون فِيهَا مِنَّا إلَّا قِرًى وَشِرًى وَنَحْنُ كُفَّارٌ فَكَيْفَ وَقَدْ أَعَزَّنَا اللَّه بِالْإِسْلَامِ لَا نُعْطِيهِمْ إلا بالسيف وَشَقَاءَ الصَّحِيفَةِ
فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ إذَا خَافُوا الْمُشْرِكِينَ جَازَ لَهُمْ أَنْ يَدْفَعُوهُمْ عَنْ أَنْفُسِهِمْ بِالْمَالِ فَهَذِهِ أَحْكَامٌ بَعْضُهَا ثَابِتٌ بِالْقُرْآنِ وَبَعْضُهَا بِالسُّنَّةِ وَهِيَ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي الْأَحْوَالِ الَّتِي أَمَرَ اللَّه تَعَالَى بِهَا وَاسْتَعْمَلَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ فِيهَا وَهَذَا نَظِيرُ مَا ذَكَرْنَا فِي مِيرَاثِ الْحَلِيفِ أَنَّهُ حُكْمٌ ثَابِتٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ فِي حَالِ عَدَمِ ذَوِي الْأَنْسَابِ وَوَلَاءِ الْعَتَاقِ فَإِذَا كَانَ هُنَاكَ ذُو نَسَبٍ أَوْ وَلَاءِ عَتَاقَةٍ فَهُمْ أَوْلَى مِنْ الْحَلِيفِ كَمَا أَنَّ الِابْنَ أَوْلَى مِنْ الْأَخِ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ أَنْ يَكُونُ مِنْ أَهْلِ الْمِيرَاثِ
قَوْله تَعَالَى وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم الْآيَةَ رُوِيَ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute