وَأَنَّ مَنْ أَدْرَكَ أَوْ أَسْلَمَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَنَّهُ تَلْزَمُهُ الْعِشَاءُ الْآخِرَةُ وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ إذَا طَهُرَتْ مِنْ الْحَيْضِ
قَوْله تَعَالَى وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ الْآيَةَ هُوَ حَثٌّ عَلَى الْجِهَادِ وَأَمْرٌ بِهِ وَنَهْيٌ عَنْ الضَّعْفِ عَنْ طَلَبِهِمْ وَلِقَائِهِمْ لِأَنَّ الِابْتِغَاءَ هُوَ الطَّلَبُ يُقَالُ بَغَيْت وَابْتَغَيْت إذَا طَلَبْت وَالْوَهَنُ ضَعْفُ الْقَلْبِ وَالْجُبْنُ الَّذِي يَسْتَشْعِرُهُ الْإِنْسَانُ عِنْدَ لِقَاءِ الْعَدُوِّ وَاسْتَدْعَاهُمْ إلَى نَفْيِ ذَلِكَ وَاسْتِشْعَارِ الْجُرْأَةِ وَالْإِقْدَامِ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ فَأَخْبَرَ أَنَّهُمْ يُسَاوُونَكُمْ فِيمَا يَلْحَقُ مِنْ الْأَلَمِ بِالْقِتَالِ وَأَنَّكُمْ تَفْضُلُونَهُمْ فَإِنَّكُمْ تَرْجُونَ مِنْ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ فَأَنْتُمْ أَوْلَى بِالْإِقْدَامِ وَالصَّبْرِ عَلَى أَلَمِ الْجِرَاحِ مِنْهُمْ إذْ لَيْسَ لَهُمْ هَذَا الرَّجَاءُ وَهَذِهِ الْفَضِيلَةُ قَوْله تَعَالَى وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ ما لا يَرْجُونَ قِيلَ فِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا مَا وَعَدَكُمْ اللَّهُ مِنْ النَّصْرِ إذَا نَصَرْتُمْ دِينَهُ وَالْآخَرُ ثَوَابُ الْآخِرَةِ وَنَعِيمُ الْجَنَّةِ فَدَوَاعِي الْمُسْلِمِينَ عَلَى التَّصَبُّرِ عَلَى الْقِتَالِ وَاحْتِمَالِ أَلَمِ الْجِرَاحِ أَكْثَرُ مِنْ دواعي الكفار وقيل فيه تَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ ما لا يَرْجُونَ تُؤَمِّلُونَ مِنْ ثَوَابِ اللَّهِ مَا لَا يُؤَمِّلُونَ روى ذلك عن الحسن وقتادة وابن جريح وَقَالَ آخَرُونَ وَتَخَافُونَ مِنْ اللَّهِ مَا لَا يَخَافُونَ كَمَا قَالَ تَعَالَى مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً يَعْنِي لَا تَخَافُونَ لِلَّهِ عَظَمَةً
وَبَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ يَقُولُ لَا يَكُونُ الرَّجَاءُ بِمَعْنَى الْخَوْفِ إلَّا مَعَ النَّفْيِ وَذَلِكَ حُكْمٌ لَا يُقْبَلُ إلَّا بِدَلَالَةٍ قَوْله تَعَالَى إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ الْآيَةَ فِيهِ إخْبَارٌ أَنَّهُ أَنْزَلَ الْكِتَابَ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا عَرَّفَهُ اللَّهُ مِنْ الْأَحْكَامِ وَالتَّعَبُّدِ قَوْله تَعَالَى وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً روى أنه أنزل فِي رِجْلٍ سَرَقَ دِرْعًا فَلَمَّا خَافَ أَنْ تَظْهَرَ عَلَيْهِ رَمَى بِهَا فِي دَارِ يَهُودِيٍّ فَلَمَّا وُجِدَتْ الدِّرْعُ أَنْكَرَ الْيَهُودِيُّ أَنْ يَكُونَ أَخَذَهَا وَذَكَرَ السَّارِقُ أَنَّ الْيَهُودِيَّ أَخَذَهَا فَأَعَانَ قَوْمٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ هَذَا الْآخِذَ عَلَى الْيَهُودِيِّ فَمَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى قَوْلِهِمْ فَأَطْلَعَهُ اللَّهُ عَلَى الْآخِذِ وَبَرَّأَ الْيَهُودِيَّ مِنْهُ وَنَهَاهُ عَنْ مُخَاصَمَةِ الْيَهُودِيِّ وَأَمَرَهُ بِالِاسْتِغْفَارِ مِمَّا كَانَ مِنْهُ مِنْ مُعَاوَنَتِهِ الَّذِينَ كَانُوا يَتَكَلَّمُونَ عَنْ السَّارِقِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ لِأَحَدٍ أَنْ يُخَاصِمَ عَنْ غَيْرِهِ فِي إثْبَاتِ حَقٍّ أَوْ نَفْيِهِ وَهُوَ غَيْرُ عَالِمٍ بِحَقِيقَةِ أَمْرِهِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ عَاتَبَ نَبِيَّهُ عَلَى مِثْلِهِ وَأَمَرَهُ بِالِاسْتِغْفَارِ مِنْهُ وَهَذِهِ الْآيَةُ وَمَا بَعْدَهَا مِنْ النَّهْيِ عَنْ الْمُجَادَلَةِ عَنْ الْخَوَنَةِ إلَى آخِرِ مَا ذُكِرَ كُلُّهُ تَأْكِيدٌ لِلنَّهْيِ عَنْ مَعُونَةِ مَنْ لا يعلمه حقا وقَوْله تَعَالَى لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ ربما احتج
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute