صَارَ بِمَبْعَثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَرِيعَةً لَنَا لَمْ يُنْسَخْ لِأَنَّهُ لَوْ نُسِخَ لَمْ يُطْلَقْ عَلَيْهِ بَعْدَ النَّسْخِ أَنَّهُ حُكْمُ اللَّهِ كَمَا لَا يُطْلَقُ أَنَّ حُكْمَ اللَّهِ تَحْلِيلُ الْخَمْرِ أَوْ تَحْرِيمُ السَّبْتِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ شَرَائِعَ مَنْ قَبْلَنَا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ لَازِمَةٌ لَنَا مَا لَمْ تُنْسَخْ وَأَنَّهَا حُكْمُ اللَّهِ بَعْدَ مَبْعَثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ فِي قَوْله تعالى فِيها حُكْمُ اللَّهِ بِالرَّجْمِ لِأَنَّهُمْ اخْتَصَمُوا إلَيْهِ فِي حَدِّ الزِّنَا وَقَالَ قَتَادَةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ بِالْقَوَدِ لِأَنَّهُمْ اخْتَصَمُوا فِي ذَلِكَ وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونُوا تَحَاكَمُوا إلَيْهِ فِيهِمَا جَمِيعًا مِنْ الرَّجْمِ وَالْقَوَدِ
قَوْله تَعَالَى إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ وَقَتَادَةَ وَعِكْرِمَةَ وَالزُّهْرِيَّ وَالسُّدِّيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرَادٌ بِقَوْلِهِ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَذَلِكَ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَكَمَ عَلَى الزَّانِيَيْنِ مِنْهُمْ بِالرَّجْمِ
وَقَالَ اللَّهُمَّ إنِّي أَوَّلُ مَنْ أَحْيَا سُنَّةً أَمَاتُوهَا
وَكَانَ ذَلِكَ فِي حُكْمِ التَّوْرَاةِ وَحَكَمَ فِيهِ بِتَسَاوِي الدِّيَاتِ وَكَانَ ذَلِكَ أَيْضًا حُكْمَ التَّوْرَاةِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ حَكَمَ عَلَيْهِمْ بِحُكْمِ التَّوْرَاةِ لَا بِحُكْمِ مُبْتَدَأِ شَرِيعَةٍ وقوله تعالى وَكانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ شُهَدَاءُ عَلَى حُكْمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ فِي التَّوْرَاةِ وَقَالَ غَيْرُهُ شُهَدَاءُ عَلَى ذَلِكَ الْحُكْمِ أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ قَالَ فِيهِ السُّدِّيُّ لَا تَخْشَوْهُمْ فِي كِتْمَانِ ما أنزلت وقيل لا تخشوهم في الحكم بغير مَا أَنْزَلْت وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْبَاقِي بْنُ قَانِعٍ قَالَ حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَامٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخَذَ عَلَى الْحُكَّامِ ثَلَاثًا أَنْ لَا يتبعوا الهوى وأن يخشوه ولا يخشوا الناس وأن لا يشتروا بآياته ثمنا قليلا ثم قَالَ يَا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى الْآيَةَ وَقَالَ إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا- إلَى قَوْلِهِ- فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ فتضمنت هذه الآية معاني مِنْهَا الْأَخْبَارُ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ حَكَمَ عَلَى الْيَهُودِ بِحُكْمِ التَّوْرَاةِ وَمِنْهَا أَنَّ حُكْمَ التَّوْرَاةِ كَانَ بَاقِيًا فِي زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم وَأَنَّ مَبْعَثَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُوجِبْ نَسْخَهُ وَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْحُكْمَ كَانَ ثَابِتًا لَمْ يُنْسَخْ بِشَرِيعَةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِنْهَا إيجَابُ الْحُكْمِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَنْ لَا يعدل عنه ولا يجابى فيه مخالفة النَّاسِ وَمِنْهَا تَحْرِيمُ أَخْذِ الرُّشَا فِي الْأَحْكَامِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute