للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيمن أوصى بجميع ماله ولا وراث لَهُ إنَّهُ جَائِزٌ وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِيمَا سَلَفَ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ مِيرَاثَهُ لِغَيْرِهِ بِعَقْدِ الْمُوَالَاةِ وَيَزْوِيَهُ عَنْ بَيْتِ الْمَالِ جَازَ لَهُ أَنْ يَجْعَلَهُ لِمَنْ شَاءَ بَعْدَ مَوْتِهِ بِالْوَصِيَّةِ إذْ كَانَتْ الْمُوَالَاةُ إنَّمَا تَثْبُتُ بَيْنَهُمَا بِعَقْدِهِ وَإِيجَابِهِ وَلَهُ أَنْ يَنْتَقِلَ بِوَلَائِهِ مَا لَمْ يَعْقِلْ عَنْهُ فَأَشْبَهَتْ الْوَصِيَّةَ الَّتِي تَثْبُتُ بِقَوْلِهِ وَإِيجَابِهِ وَمَتَى شَاءَ رَجَعَ فِيهَا إلَّا أَنَّهَا تُخَالِفُ الْوَصِيَّةَ مِنْ وَجْهٍ وَهُوَ أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ يَأْخُذُهُ بِقَوْلِهِ فَإِنَّهُ يَأْخُذُهُ عَلَى وَجْهِ الْمِيرَاثِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ الْمَيِّتُ ذَا رَحِمٍ كَانَ أولى بالميراث من ولى الْمُوَالَاةِ وَلَمْ يَكُنْ فِي الثُّلُثِ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِمَالِهِ فَيَجُوزُ لَهُ مِنْهُ الثُّلُثُ بَلْ لَا يُعْطَى شَيْئًا إذَا كَانَ لَهُ وَارِثٌ مِنْ قَرَابَةٍ أَوْ وَلَاءِ عَتَاقَةٍ فَوَلَاءُ الْمُوَالَاةِ يُشْبِهُ الْوَصِيَّةَ بِالْمَالِ مِنْ وَجْهٍ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ وَيُفَارِقُهَا مِنْ وَجْهٍ عَلَى نَحْوِ مَا بَيَّنَّا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

بَابُ مَا يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ طَاعَةِ زَوْجِهَا

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ

رَوَى يُونُسُ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّ رَجُلًا جَرَحَ امْرَأَتَهُ فَأَتَى أَخُوهَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقِصَاصُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ الْآيَةَ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَدْنَا أَمْرًا وَأَرَادَ اللَّهُ غَيْرَهُ

وَرَوَى جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ لَطَمَ رَجُلٌ امْرَأَتَهُ فَاسْتَعْدَتْ عَلَيْهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ

قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ يَدُلُّ عَلَى أَنْ لَا قِصَاصَ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَالْحَدِيثُ الثَّانِي جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ لَطَمَهَا لِأَنَّهَا نَشَزَتْ عَلَيْهِ وَقَدْ أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى ضَرْبَهَا عِنْدَ النُّشُوزِ بِقَوْلِهِ وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ قِيلَ لَوْ كَانَ ضَرْبُهُ إيَّاهَا لِأَجْلِ النُّشُوزِ لَمَا أَوْجَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقِصَاصَ قِيلَ لَهُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ قَبْلَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ الَّتِي فِيهَا إبَاحَةُ الضَّرْبِ عِنْدَ النُّشُوزِ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ- إلى قوله- وَاضْرِبُوهُنَّ نَزَلَ بَعْدُ فَلَمْ يُوجِبْ عَلَيْهِمْ بَعْدَ نُزُولِ الْآيَةِ شَيْئًا فَتَضَمَّنَ قَوْلُهُ الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ قِيَامَهُمْ عَلَيْهِنَّ بِالتَّأْدِيبِ وَالتَّدْبِيرِ وَالْحِفْظِ وَالصِّيَانَةِ لِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ الرَّجُلَ عَلَى الْمَرْأَةِ فِي الْعَقْلِ وَالرَّأْيِ وَبِمَا أَلْزَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا فَدَلَّتْ الْآيَةُ عَلَى مَعَانٍ أحدها

<<  <  ج: ص:  >  >>