بِهَذَا الْقُرْآنِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ يُقْنِعُهُمْ ذَلِكَ مَعَ عَجْزِهِمْ فَالثَّانِي وَالثَّالِثُ مِثْلُهُ وَرُبَّمَا احْتَجَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ بَعْضُ مَنْ يَأْبَى جَوَازَ نَسْخِ الْقُرْآنِ بِالسُّنَّةِ لِأَنَّهُ قَالَ قُلْ مَا يَكُونُ لى أن أبدله من تلقاء نفسى وَمُجِيزُ نَسْخِ الْقُرْآنِ بِالسُّنَّةِ مُجِيزٌ لِتَبْدِيلِهِ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ وَلَيْسَ هَذَا كَمَا ظَنُّوا وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي وُسْعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبْدِيلُ الْقُرْآنِ بِقُرْآنٍ مِثْلِهِ وَلَا الْإِتْيَانِ بِقُرْآنٍ غَيْرِهِ وَهَذَا الَّذِي سَأَلَهُ الْمُشْرِكُونَ ولم يسئلوه تَبْدِيلَ الْحُكْمِ دُونَ اللَّفْظِ وَالْمُسْتَدِلُّ بِمِثْلِهِ فِي هَذَا الْبَابِ مُغَفَّلٌ وَأَيْضًا فَإِنَّ نَسْخَ الْقُرْآنِ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا إلَّا بِسُنَّةٍ هِيَ وَحْيٌ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ اللَّهُ عَزَّ وجل وما يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى إنْ هُوَ إلَّا وَحْيٌ يوحى فَنَسْخُ حُكْمِ الْقُرْآنِ بِالسُّنَّةِ إنَّمَا هُوَ نَسْخٌ بِوَحْيِ اللَّهِ لَا مِنْ قِبَلِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْله تَعَالَى
قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلالا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ الْآيَةَ رُبَّمَا احْتَجَّ بَعْضُ الْأَغْبِيَاءِ مِنْ نُفَاةِ الْقِيَاسِ بِهَذِهِ الْآيَةِ فِي إبْطَالِهِ لِأَنَّهُ زَعَمَ أَنَّ الْقَائِسَ يُحَرِّمُ بِقِيَاسِهِ وَيُحِلُّ وَهَذَا جَهْلٌ مِنْ قَائِلِهِ لِأَنَّ الْقِيَاسَ دَلِيلُ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا أَنَّ حُجَّةَ الْعَقْلِ دَلِيلُ اللَّهِ تَعَالَى وكالنصوص والسنن كل هذه دلائل فَالْقَائِسُ إنَّمَا يَتْبَعُ مَوْضِعَ الدَّلَالَةِ عَلَى الْحُكْمِ فَيَكُونُ اللَّهُ هُوَ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَرِّمَ بِنَصْبِهِ الدَّلِيلَ عَلَيْهِ فَإِنْ خَالَفَ فِي أَنَّ الْقِيَاسَ دَلِيلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَلْيَكُنْ كَلَامُهُ مَعَنَا فِي إثْبَاتِهِ فَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ سَقَطَ سُؤَالُهُ وَإِنْ لَمْ يَقُمْ الدَّلِيلُ عَلَى إثْبَاتِهِ فَقَدْ اكْتَفَى فِي إيجَابِ بُطْلَانِهِ بِعَدَمِ دَلَالَةِ صِحَّتِهِ فَلَا يَعْتَقِدُ أَحَدٌ صِحَّةَ الْقِيَاسِ إلَّا وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ دَلِيلُ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدْ قَامَتْ بِصِحَّتِهِ ضروب من الشواهد ولا نعلق لِلْآيَةِ فِي نَفْيِ الْقِيَاسِ وَلَا إثْبَاتِهِ وَرُبَّمَا احْتَجُّوا أَيْضًا فِي نَفْيِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَهَذَا شَبِيهٌ بِمَا قَبْلَهُ لِأَنَّ الْقَائِسِينَ يَقُولُونَ الْقَوْلُ بِالْقِيَاسِ مِمَّا آتَانَا الرَّسُولُ بِهِ وَأَقَامَ اللَّهُ الْحُجَّةَ عَلَيْهِ مِنْ دَلَائِلِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ فَلَيْسَ لِهَذِهِ الْآيَةِ تَعَلُّقٌ بِنَفْيِ الْقِيَاسِ
قَوْله تَعَالَى رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ قِيلَ فِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا لَامُ الْعَاقِبَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عدوا وحزنا وَالْآخَرُ لِئَلَّا يَضِلُّوا عَنْ سَبِيلِك فَحُذِفَتْ لَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا أَيْ لِئَلَّا تَضِلَّ وَقَوْلُهُ أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ القيامة إنا كنا عن هذا غافلين أَيْ لِئَلَّا تَقُولُوا وَقَوْلُهُ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أن تضلوا مَعْنَاهُ أَنْ لَا تَضِلُّوا قَوْله تَعَالَى قَدْ أجيبت دعوتكما أضاف الدعاء إليهما وقال أَبُو الْعَالِيَةِ وَعِكْرِمَةُ وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ وَالرَّبِيعُ بْنُ مُوسَى كَانَ مُوسَى يَدْعُو وَهَارُونُ يُؤَمِّنُ فَسَمَّاهُمَا اللَّهُ دَاعِيَيْنِ وَهَذَا يَدُلُّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute