وَرَوَى ابْنُ عُمَرَ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ وَلَمْ يذكر قصة امرأة رفاعة وهذه أخبار وقد تَلَقَّاهَا النَّاسُ بِالْقَبُولِ وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى اسْتِعْمَالِهَا فَهِيَ عِنْدَنَا فِي حَيِّزِ التَّوَاتُرِ وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي ذَلِكَ إلَّا شَيْءٌ يُرْوَى عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ إنَّهَا لا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ بِنَفْسِ عَقْدِ النِّكَاحِ دُونَ الْوَطْءِ وَلَمْ نَعْلَمْ أَحَدًا تَابَعَهُ عَلَيْهِ فَهُوَ شَاذٌّ وقوله تعالى حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ غَايَةُ التَّحْرِيمِ الْمُوقَعُ بِالثَّلَاثِ فَإِذَا وَطِئَهَا الزَّوْجُ الثَّانِي ارْتَفَعَ ذَلِكَ التَّحْرِيمُ الْمُوقَعُ وَبَقِيَ التَّحْرِيمُ مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا تَحْتَ زَوْجٍ كَسَائِرِ النِّسَاءِ الْأَجْنَبِيَّاتِ فَمَتَى فَارَقَهَا الثَّانِي وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا حَلَّتْ لِلْأَوَّلِ وقَوْله تَعَالَى فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا مُرَتَّبٌ عَلَى مَا أَوْجَبَ مِنْ الْعِدَّةِ عَلَى الْمَدْخُولِ بِهَا فِي قَوْله تَعَالَى وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وقَوْله تَعَالَى وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ وَنَحْوُهَا مِنْ الْآيِ الْحَاظِرَةِ لِلنِّكَاحِ فِي الْعِدَّةِ وقَوْله تَعَالَى فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا نَصٌّ عَلَى ذِكْرِ الطَّلَاقِ وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْحُكْمَ فِي إبَاحَتِهَا لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ غَيْرُ مَقْصُورٍ عَلَى الطَّلَاقِ وَأَنَّ سَائِرَ الْفُرَقِ الْحَادِثَةِ بَيْنَهُمَا مِنْ نَحْوِ مَوْتٍ أَوْ رِدَّةٍ أَوْ تَحْرِيمِ بِمَنْزِلَةِ الطَّلَاقِ وَإِنْ كَانَ الْمَذْكُورُ نَفْسُهُ هُوَ الطَّلَاقُ وَفِيهِ الدَّلَالَةُ أَيْضًا عَلَى جَوَازِ النِّكَاحِ بغير ولى لأنه أضاف التراجع إليها مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الْوَلِيِّ وَفِيهِ أَحْكَامٌ أُخَرُ نَذْكُرُهَا عِنْدَ ذِكْرِنَا لِأَحْكَامِ الْخُلْعِ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَكِنَّا قَدَّمْنَا ذِكْرَ الثَّالِثَةِ لِأَنَّهُ يَتَّصِلُ بِهِ فِي الْمَعْنَى بِذِكْرِ الِاثْنَتَيْنِ وَإِنْ تَخَلَّلَهُمَا ذِكْرُ الخلع وبالله التوفيق.
بَابُ الْخُلْعِ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلَّا أَنْ يَخافا أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ فَحَظَرَ عَلَى الزَّوْجِ بِهَذِهِ الْآيَةِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا شَيْئًا مِمَّا أَعْطَاهَا إلَّا عَلَى الشَّرِيطَةِ كَمَا أَنَّ قَوْله تَعَالَى فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ قَدْ دَلَّ عَلَى حَظْرِ مَا فَوْقَهُ مِنْ ضَرْبٍ أَوْ شَتْمٍ وقَوْله تَعَالَى إِلَّا أَنْ يَخافا أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ قَالَ طَاوُسٌ يَعْنِي فِيمَا افْتَرَضَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي الْعِشْرَةِ وَالصُّحْبَةِ وَقَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ مِثْلَ ذَلِكَ وَقَالَ الْحَسَنُ هُوَ أَنْ تَقُولَ الْمَرْأَةُ وَاَللَّهِ لَا أَغْتَسِلُ لَك مِنْ جَنَابَةٍ وَقَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ إلَّا أَنْ يَخَافَا مَعْنَاهُ إلَّا أَنْ يَظُنَّا وَقَالَ أَبُو مِحْجَنٍ الثَّقَفِيِّ أَنْشَدَهُ الْفَرَّاءُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى:
إذا مت فادفني إلى جب كَرْمَةٍ ... تَرْوِي عِظَامِي بَعْدَ مَوْتِي عُرُوقُهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute