الْمُسْلِمُونَ عَنْ مُقَاوِمَتِهِمْ فِي إدْخَالِهِمْ فِي الْإِسْلَامِ أَوْ الذِّمَّةِ جَازَ لَهُمْ مُصَالَحَتُهُمْ عَلَى الْجَلَاءِ عَنْ بِلَادِهِمْ وَالْمَعْنَى الثَّانِي جَوَازُ مُصَالَحَةِ أَهْلِ الْحَرْبِ عَلَى مَجْهُولٍ مِنْ الْمَالِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَالَحَهُمْ عَلَى أَرَاضِيِهِمْ وَعَلَى الْحَلْقَةِ وَتَرَكَ لَهُمْ مَا أَقَلَّتْ الْإِبِلُ وَذَلِكَ مَجْهُولٌ وقَوْله تَعَالَى فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصارِ فِيهِ أَمْرٌ بِالِاعْتِبَارِ وَالْقِيَاسُ فِي أَحْكَامِ الْحَوَادِثِ ضَرْبٌ مِنْ الِاعْتِبَارِ فَوَجَبَ اسْتِعْمَالُهُ بِظَاهِرِ الْآيَةِ وقوله تعالى ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ كُلُّ نَخْلَةٍ لِينَةٌ سِوَى الْعَجْوَةِ وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَعَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ كُلُّ نَخْلَةٍ لِينَةٌ وَقِيلَ اللِّينَةُ كِرَامُ النَّخْلِ وَرَوَى ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ مُجَاهِدٍ مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ النَّخْلَةِ نَهَى بَعْضُ الْمُهَاجِرِينَ عَنْ قَطْعِ النَّخْلِ وَقَالَ إنَّمَا هِيَ مَغَانِمُ الْمُسْلِمِينَ فَنَزَلَ الْقُرْآنُ بِتَصْدِيقِ مِنْ نَهَى وَبِتَحْلِيلِ مَنْ قَطَعَهَا مِنْ الْإِثْمِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ صَوَّبَ اللَّهُ الَّذِينَ قَطَعُوا وَاَلَّذِينَ أَبَوْا وَكَانُوا فَعَلُوا ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ الِاجْتِهَادِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَغِرْ عَلَى أُبْنَى صَبَاحًا وَحَرِّقْ
وَرَوَى قَتَادَةُ عَنْ أَنَسٍ قَالَ لَمَّا قَاتَلَ أَبُو بَكْرٍ أَهْلَ الرِّدَّةِ قَتَلَ وَسَبَى وَحَرَّقَ
وَرَوَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرٍو بْنِ حَزْمٍ قَالَ لَمَّا تَحَصَّنَ بَنُو النَّضِيرِ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقطع نخلهم وَتَحْرِيقِهِ فَقَالُوا يَا أَبَا الْقَاسِمِ مَا كُنْت تَرْضَى بِالْفَسَادِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ
الْآيَةَ وَرَوَى عُثْمَانُ بْنُ عَطَاءٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ لَمَّا وَجَّهَ أَبُو بَكْرٍ الْجَيْشَ إلَى الشَّامِ كَانَ فِيمَا أَوْصَاهُمْ بِهِ وَلَا تُقْطَعُ شَجَرَةٌ مُثْمِرَةٌ قَالَ أَبُو بَكْرٍ تَأَوَّلَهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ عَلَى أَنَّهُمْ قَدْ عَلِمُوا أَنَّ الله سيغنمهم إياها وتصير للمسلمين بوعد النبي صلّى الله عليه وسلّم لهم بفتح الشام فأراد عليهم أن تبقى للمسلمين وأما جيش المسلمين إذَا غَزَوْا أَرْضَ الْحَرْبِ وَأَرَادُوا الْخُرُوجَ فَإِنَّ الْأَوْلَى أَنْ يُحَرِّقُوا شَجَرَهُمْ وَزُرُوعَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَكَذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُنَا فِي مَوَاشِيهِمْ إذَا لَمْ يُمْكِنْهُمْ إخْرَاجُهَا ذُبِحَتْ ثُمَّ أُحْرِقَتْ وَأَمَّا مَا رَجَوْا أن يصير فيأ لِلْمُسْلِمِينَ فَإِنَّهُمْ إنْ تَرَكُوهُ لِيَصِيرَ لِلْمُسْلِمِينَ جَازَ وَإِنْ أَحْرَقُوهُ غَيْظًا لِلْمُشْرِكِينَ جَازَ اسْتِدْلَالًا بِالْآيَةِ وَبِمَا فَعَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَمْوَالِ بَنِي النَّضِيرِ
وقَوْله تَعَالَى وَما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ الْآيَةَ الْفَيْءُ الرُّجُوعُ وَمِنْهُ الْفَيْءُ فِي الْإِيلَاءِ في قوله فَإِنْ فاؤُ وأفاءه عَلَيْهِ إذَا رَدَّهُ عَلَيْهِ وَالْفَيْءُ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْضِعِ مَا صَارَ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ أَمْوَالِ أَهْلِ الشِّرْكِ فَالْغَنِيمَةُ فَيْءٌ وَالْجِزْيَةُ فَيْءٌ وَالْخَرَاجُ فَيْءٌ لِأَنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ مِمَّا مَلَّكَهُ اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَمْوَالِ أَهْلِ الشِّرْكِ وَالْغَنِيمَةُ وإن كانت فيأ فَإِنَّهَا تَخْتَصُّ بِمَعْنًى لَا يُشَارِكُهَا فِيهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute