تقع كذلك ويدل على فساد الرواية بِأَنَّ الرُّؤْيَا عَلَى رَجُلٍ طَائِرٍ فَإِذَا عَبَرَتْ وَقَعَتْ
قَوْله تَعَالَى وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ الْآيَةَ يُقَالُ إنَّ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إنَّمَا لَمْ يُجِبْهُمْ إلَى الذَّهَابِ إلَى الْمَلِكِ حَتَّى رد الرسول إليه بأن يسئل عَنْ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ لِتَظْهَرَ بَرَاءَةُ سَاحَتِهِ فَيَكُونَ أَجَلَّ فِي صَدْرِهِ عِنْدَ حُضُورِهِ وَأَقْرَبَ إلَى قَبُولِ مَا يَدْعُوهُ إلَيْهِ مِنْ التَّوْحِيدِ وَقَبُولِ مَا يُشِيرُ بِهِ عَلَيْهِ
قَوْله تَعَالَى ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ قَالَ الْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ هَذَا مِنْ قَوْلِ يُوسُفَ يَقُولُ إنِّي إنَّمَا رَدَدْت الرَّسُولَ إلَيْهِ فِي سُؤَالِ النِّسْوَةِ لِيَعْلَمَ الْعَزِيزُ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَإِنْ كَانَ ابْتِدَاءُ الْحِكَايَةِ عَنْ الْمَرْأَةِ فَإِنَّهُ رَدَّ الْكَلَامَ إلَى الْحِكَايَةِ عَنْ قَوْلِ يُوسُفَ لِظُهُورِ الدَّلَالَةِ عَلَى الْمَعْنَى وذلك نحو قوله وكذلك يفعلون وَقَبْلَهُ حِكَايَةٌ عَنْ الْمَرْأَةِ وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أذلة وقوله فماذا تأمرون وَقَبْلَهُ حِكَايَةُ قَوْلِ الْمَلَإِ يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ من أرضكم بسحره
قوله تعالى إن النفس لأمارة بالسوء يَعْنِي أَنَّ النَّفْسَ كَثِيرَةُ النِّزَاعِ إلَى السُّوءِ فَلَا يُبَرِّئُ نَفْسَهُ وَإِنْ كَانَ لَا يُطَاوِعُهَا وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي قَائِلِ هَذَا الْقَوْلِ فَقَالَ قَائِلُونَ هُوَ مِنْ قَوْلِ يُوسُفَ وَقَالَ آخَرُونَ هُوَ مِنْ قَوْلِ الْمَرْأَةِ الْأَمَّارَةُ الْكَثِيرَةُ الْأَمْرِ بِالشَّيْءِ وَالنَّفْسُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ لِكَثْرَةِ مَا تَشْتَهِيهِ وَتُنَازِعُ إلَيْهِ مِمَّا يَقَعُ الْفِعْلُ مِنْ أَجْلِهِ وَقَدْ كَانَتْ إضَافَةُ الْأَمْرِ بِالسُّوءِ إلَى النَّفْسِ مَجَازًا فِي أَوَّلِ اسْتِعْمَالِهِ ثُمَّ كَثُرَ حَتَّى سَقَطَ عَنْهُ اسْمُ الْمَجَازِ وَصَارَ حَقِيقَةً فَيُقَالُ نَفْسِي تَأْمُرُنِي بِكَذَا وَتَدْعُونِي إلَى كَذَا مِنْ جِهَةِ شَهْوَتِي لَهُ وَإِنَّمَا لَمْ يَصِحَّ أَنْ يَأْمُرَ الْإِنْسَانُ نَفْسَهُ فِي الْحَقِيقَةِ لِأَنَّ فِي الْأَمْرِ تَرْغِيبًا لِلْمَأْمُورِ بِتَمْلِيكِ مَا لَا يملك ومحال أن يملك الْإِنْسَانُ نَفْسَهُ فِي الْحَقِيقَةِ لِأَنَّ فِي الْأَمْرِ تَرْغِيبًا لِلْمَأْمُورِ بِتَمْلِيكِ مَا لَا يَمْلِكُ وَمُحَالٌ أَنْ يُمَلِّكَ الْإِنْسَانُ نَفْسَهُ مَا لَا يَمْلِكُهُ لِأَنَّ مَنْ مَلَكَ شَيْئًا فَإِنَّمَا يَمْلِكُ مَا هُوَ مَالِكُهُ
قَوْله تَعَالَى وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ اليوم لدينا مكين أمين هَذَا الْمَلِكُ لَمَّا كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعَقْلِ وَالدِّرَايَةِ لَمْ يَرُعْهُ مِنْ يُوسُفَ مَنْظَرُهُ الرَّائِعُ الْبَهِجُ كَمَا رَاعَ النِّسَاءَ لِقِلَّةِ عُقُولِهِنَّ وَضَعْفِ أَحْلَامِهِنَّ وَأَنَّهُنَّ إنَّمَا نَظَرْنَ إلَى ظَاهِرِ حُسْنِهِ وَجَمَالِهِ دُونَ عِلْمِهِ وَعَقْلِهِ وَأَنَّ الْمَلِكَ لَمْ يَعْبَأْ بِذَلِكَ وَلَكِنَّهُ لَمَّا كَلَّمَهُ وَوَقَفَ عَلَى كَمَالِهِ بِبَيَانِهِ وَعِلْمِهِ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مكين أمين
فَقَالَ يُوسُفُ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حفيظ عليم فَوَصَفَ نَفْسَهُ بِالْعِلْمِ وَالْحِفْظِ وَفِي هَذَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ جَائِزٌ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَصِفَ نَفْسَهُ بِالْفَضْلِ عِنْدَ مَنْ لَا يَعْرِفُهُ وَأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْمَحْظُورِ مِنْ تَزْكِيَةِ النَّفْسِ فِي قَوْله تعالى فلا تزكوا أنفسكم
قَوْله تَعَالَى ائْتُونِي بِأَخٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute