جَمِيعًا وَفَاسِدٌ أَنْ يُقَالَ هِيَ مُسْتَحَقَّةٌ بِمُجَرَّدِ الِاسْمِ لِوَجْهَيْنِ أَحَدِهِمَا أَنَّهُ يُوجِبُ أَنْ يَسْتَحِقَّهَا كُلُّ غَارِمٍ وَكُلُّ ابْنِ سَبِيلٍ وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا وَهَذَا بَاطِلٌ وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ كَانَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ لَوْ اجْتَمَعَ لَهُ الْفَقْرُ وَابْنُ السَّبِيلِ أَنْ يَسْتَحِقَّ سَهْمَيْنِ فَلَمَّا بَطَلَ هَذَانِ الْوَجْهَانِ صَحَّ أَنَّهَا مُسْتَحَقَّةٌ بِالْحَاجَةِ فَإِنْ قِيلَ قَوْله تَعَالَى إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ الْآيَةَ يَقْتَضِي إيجَابَ الشَّرِكَةِ فَلَا يَجُوزُ إخْرَاجُ صِنْفٍ مِنْهَا كَمَا لَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِزَيْدٍ وَعَمْرٍو وَخَالِدٍ لَمْ يُحْرِمْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ قِيلَ لَهُ هَذَا مُقْتَضَى اللَّفْظِ فِي جَمِيعِ الصَّدَقَاتِ وَكَذَلِكَ نَقُولُ فَيُعْطِي صَدَقَةَ الْعَامِ صِنْفًا وَاحِدًا وَيُعْطِي صَدَقَةَ عَامٍ آخَرَ صِنْفًا آخَرَ عَلَى قَدْرِ اجْتِهَادِ الْإِمَامِ وَمَجْرَى الْمَصْلَحَةِ فِيهِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ فِي صَدَقَةٍ وَاحِدَةٍ هَلْ يَسْتَحِقُّهَا الْأَصْنَافُ كُلُّهَا وَلَيْسَ فِي الْآيَةِ بَيَانُ حُكْمِ صَدَقَةٍ وَاحِدَةٍ وَإِنَّمَا فِيهَا حُكْمُ الصَّدَقَاتِ كُلِّهَا فَنُقَسِّمُ الصَّدَقَاتِ كُلَّهَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا فَنَكُونُ قَدْ وَفَّيْنَا الْآيَةَ حَقَّهَا مِنْ مُقْتَضَاهَا وَاسْتَعْمَلْنَا سَائِرَ الْآيِ الَّتِي قَدَّمْنَا ذِكْرَهَا وَالْآثَارَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَوْلَ السَّلَفِ فَذَلِكَ أَوْلَى مِنْ إيجَابِ قِسْمَةِ صَدَقَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى ثَمَانِيَةٍ وَرَدِّ أَحْكَامِ سَائِرِ الْآيِ وَالسُّنَنِ الَّتِي قَدَّمْنَا وَبِهَذَا الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَا انْفَصَلَتْ الصَّدَقَاتُ مِنْ الْوَصِيَّةِ بِالثُّلُثِ لِأَعْيَانٍ لأن المسلمين لهم محصورون وكذلك والثلث فِي مَالٍ مُعَيَّنٍ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَسْتَحِقُّوهُ بِالشَّرِكَةِ وَأَيْضًا فَلَا خِلَافَ أَنَّ الصَّدَقَاتِ غير مستحقة على وجه الشركة للمسلمين لِاتِّفَاقِهِمْ عَلَى جَوَازِ إعْطَاءِ بَعْضِ الْفُقَرَاءِ دُونَ بَعْضٍ وَلَا جَائِزٌ إخْرَاجُ بَعْضِ الْمُوصَى لَهُمْ وَأَيْضًا لَمَا جَازَ التَّفْضِيلُ فِي الصَّدَقَاتِ لِبَعْضٍ عَلَى بَعْضٍ وَلَمْ يَجُزْ ذَلِكَ فِي الْوَصَايَا المطلقة كذلك جاز بَعْضِ الْأَصْنَافِ كَمَا جَازَ حِرْمَانُ بَعْضِ الْفُقَرَاءِ فَفَارَقَ الْوَصَايَا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَأَيْضًا لَمَّا كَانَتْ الصَّدَقَةُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى لَا لِآدَمِيٍّ بِدَلَالَةِ أَنَّهُ لَا مُطَالَبَةَ لِآدَمِيٍّ يَسْتَحِقُّهَا لِنَفْسِهِ فَأَيُّ صِنْفٍ أُعْطِيَ فَقَدْ وَضَعَهَا مَوْضِعَهَا وَالْوَصِيَّةُ لِأَعْيَانٍ حَقٌّ لِآدَمِيٍّ لَا مُطَالَبَةَ لِغَيْرِهِمْ بِهَا فاستحقوها كلهم كسائر الحقوق التي للآدميين وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ أَوْجَبَ فِي الْكَفَّارَةِ إطْعَامَ مَسَاكِين وَلَوْ أَعْطَى الْفُقَرَاءَ جَازَ فَكَذَلِكَ جَائِزٌ أَنْ يُعْطِيَ مَا سَمَّى لِلْمَسَاكِينِ فِي آيَةِ الصَّدَقَاتِ لِلْفُقَرَاءِ وَالْوَصِيَّةُ مُخَالِفَةٌ لِذَلِكَ لِأَنَّهُ لَوْ أَوْصَى لِزَيْدٍ لَمْ يُعْطَ عَمْرٌو.
قَوْله تَعَالَى وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بالله ويؤمن للمؤمنين قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ وَمُجَاهِدٌ وَالضَّحَّاكُ يَقُولُونَ هُوَ صَاحِبُ أُذُنٍ يُصْغِي إلَى كُلِّ أَحَدٍ وَقِيلَ إنَّ أَصْلَهُ مِنْ أَذَنَ يَأْذِنُ إذَا سمع قول الشاعر:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute