الْأَصْنَافِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ ذُكُورِهَا وَإِنَاثِهَا يُسَمَّى زَوْجًا وَيُقَالُ لِلِاثْنَيْنِ زَوْجٌ أَيْضًا كَمَا يُقَالُ لِلْوَاحِدِ خَصْمٌ وَلِلِاثْنَيْنِ خَصْمٌ فَأَخْبَرَ اللَّه تَعَالَى أَنَّهُ أَحَلَّ لِعِبَادِهِ هَذِهِ الْأَزْوَاجَ الثَّمَانِيَةَ وَأَنَّ الْمُشْرِكِينَ حَرَّمُوا مِنْهَا مَا حَرَّمُوا مِنْ الْبَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ وَالْوَصِيلَةِ وَالْحَامِي وَمَا جَعَلُوهُ لِشُرَكَائِهِمْ عَلَى مَا بَيَّنَهُ قَبْلَ ذَلِكَ بِغَيْرِ حُجَّةٍ وَلَا بُرْهَانٍ لِيُضِلُّوا النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَقَالَ نَبِّئُونِي بعلم إن كنتم صادقين ثُمَّ
قَالَ أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمُ الله بهذا لِأَنَّ طَرِيقَ الْعِلْمِ إمَّا الْمُشَاهَدَةُ أَوْ الدَّلِيلُ الَّذِي يَشْتَرِك الْعُقَلَاءُ فِي إدْرَاكِ الْحَقِّ بِهِ فَبَانَ بِعَجْزِهِمْ عَنْ إقَامَةِ الدَّلَالَةِ مِنْ أَحَدِ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ بُطْلَانُ قَوْلِهِمْ فِي تَحْرِيمِ مَا حَرَّمُوا مِنْ ذَلِكَ
قَوْله تَعَالَى قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طاعم يطعمه الْآيَةُ رُوِيَ عَنْ طَاوُسٍ أَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يَسْتَحِلُّونَ أَشْيَاءَ وَيُحَرِّمُونَ أَشْيَاءَ فَقَالَ اللَّه تَعَالَى قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إلى محرما مما تستحلون إلا أن يكون ميتة الْآيَةُ وَسِيَاقَةُ الْمُخَاطَبَةِ تَدُلُّ عَلَى مَا قَالَ طَاوُسٌ وَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّه قَدْ قَدَّمَ ذِكْرَ مَا كَانُوا يُحَرِّمُونَ مِنْ الْأَنْعَامِ وَذَمَّهُمْ عَلَى تَحْرِيمِ مَا أَحَلَّهُ وَعَنَّفَهُمْ وَأَبَانَ بِهِ عَنْ جَهْلِهِمْ لِأَنَّهُمْ حَرَّمُوا بِغَيْرِ حُجَّةٍ ثُمَّ عَطَفَ قَوْله تَعَالَى قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أوحى إلى محرما يعنى مما تُحَرِّمُونَهُ إلَّا مَا ذُكِرَ وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ تَقْدِيرَ الْآيَةِ لَمْ يَجُزْ الِاسْتِدْلَال بِهَا عَلَى إبَاحَةِ مَا خَرَجَ عَنْ الْآيَةِ فَإِنْ قِيلَ قَدْ ذُكِرَ فِي أَوَّلِ الْمَائِدَةِ تَحْرِيمُ الْمُنْخَنِقَةِ والموقوذة وَمَا ذُكِرَ مَعَهَا قَدْ دَخَلَتْ فِي الْمَيْتَةِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ اللَّه تَعَالَى تَحْرِيمَ الْمَيْتَةِ فِي قوله حرمت عليكم الميتة ثُمَّ فَسَرَّ وُجُوهَهَا وَالْأَسْبَابَ الْمُوجِبَةَ لِكَوْنِهَا مَيْتَةً فقد اشتمل اسم الميتة على الْوَقْتِ إلَّا مَا قَدْ ذُكِرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَالْمَائِدَةُ مَدَنِيَّةٌ وَهِيَ مِنْ آخِرِ مَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَوْ إذَا دَخَلَتْ عَلَى النَّفْيِ ثَبَتَ كُلُّ وَاحِدٍ مِمَّا دَخَلَتْ عَلَيْهِ عَلَى حيالها وَأَنَّهَا لَا تَقْتَضِي تَخْيِيرًا لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى إِلا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أو لحم خنزير قَدْ أَوْجَبَ تَحْرِيمَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ ذَلِكَ عَلَى حِيَالِهِ وَقَدْ احْتَجَّ كَثِيرٌ مِنْ السَّلَفِ فِي إبَاحَةِ مَا عَدَا الْمَذْكُورَةَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِهَا فَمِنْهَا لُحُومُ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ وَرَوَى سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ قُلْت لِجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ إنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أن النبي صلّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ قَالَ قَدْ كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ الْحَكَمُ بْنُ عَمْرٍو الْغِفَارِيُّ عِنْدَنَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وآله وسلم
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute