للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْحَسَدُ هُوَ تَمَنِّي زَوَالِ النِّعْمَةِ عَنْ صَاحِبِهَا وَلِذَلِكَ قِيلَ إنَّ كُلَّ أَحَدٍ تَقْدِرُ أَنْ تُرْضِيَهُ إلَّا حَاسِدَ نِعْمَةٍ فَإِنَّهُ لَا يُرْضِيهِ إلَّا زَوَالُهَا وَالْغِبْطَةُ غَيْرُ مَذْمُومَةٍ لِأَنَّهَا تَمَنِّي مِثْلِ النِّعْمَةِ مِنْ غَيْرِ زَوَالِهَا عَنْ صَاحِبِهَا بَلْ مَعَ سُرُورٍ مِنْهُ بِبَقَائِهَا عَلَيْهِ

قَوْله تَعَالَى كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها قِيلَ فِيهِ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُجَدِّدُ لَهُمْ جُلُودًا غَيْرَ الْجُلُودِ الَّتِي احْتَرَقَتْ وَالْقَائِلُونَ بِهَذَا هُمْ الَّذِينَ يَقُولُونَ إنَّ الْجِلْدَ لَيْسَ بَعْضَ الْإِنْسَانِ وَكَذَلِكَ اللَّحْمُ وَالْعَظْمُ وَإِنَّ الْإِنْسَانَ هُوَ الرُّوحُ اللَّابِسُ لِهَذَا الْبَدَنِ وَمَنْ قَالَ إنَّ الْجِلْدَ هُوَ بَعْضُ الْإِنْسَانِ وَإِنَّ الْإِنْسَانَ هُوَ هَذَا الشَّخْصِ بِكَمَالِهِ فَإِنَّهُ يَقُولُ إنَّ الْجُلُودَ تُجَدَّدُ بِأَنْ تُرَدُّ إلَى الْحَالِ الَّتِي كَانَتْ عليها غير محترقة كما يقال لخاتم كثر ثُمَّ صِيغَ خَاتَمٌ آخَرُ هَذَا الْخَاتِمُ غَيْرُ ذَاكَ الْخَاتَمِ وَكَمَا يُقَالُ لِمَنْ قَطَعَ قَمِيصَهُ قَبَاءً هَذَا اللِّبَاسُ غَيْرُ ذَاكَ اللِّبَاسِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ التَّبْدِيلُ إنَّمَا هُوَ لِلسَّرَابِيلِ الَّتِي قَدْ أُلْبِسُوهَا وَهُوَ تَأْوِيلٌ بَعِيدٌ لِأَنَّ السَّرَابِيلَ لَا تُسَمَّى جُلُودًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

بَابُ مَا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ أَدَاءِ الْأَمَانَاتِ

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ فِي الْمَأْمُورِينَ بِأَدَاءِ الْأَمَانَةِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مَنْ هُمْ فَرُوِيَ عَنْ زيد بن أسلم ومكحول وشهر ابن حَوْشَبٍ أَنَّهُمْ وُلَاةُ الْأَمْرِ وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ إنَّهَا نَزَلَتْ فِي عُثْمَانَ بْنِ طَلْحَةَ أَمَرَ بِأَنْ تُرَدَّ عَلَيْهِ مَفَاتِيحُ الْكَعْبَةِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَالْحَسَنُ وَقَتَادَةُ هُوَ في كل مؤتمن على شيء وهذا أَوْلَى لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ خِطَابٌ يَقْتَضِي عُمُومُهُ سَائِرَ الْمُكَلَّفِينَ فَغَيْرُ جَائِزٍ الِاقْتِصَارُ بِهِ عَلَى بَعْضِ النَّاسِ دُونَ بَعْضٍ إلَّا بِدَلَالَةٍ وَأَظُنُّ مَنْ تَأَوَّلَهُ عَلَى وُلَاةِ الأمر ذهبت إلَى قَوْله تَعَالَى وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ لَمَّا كَانَ خِطَابًا لِوُلَاةِ الْأَمْرِ كَانَ ابْتِدَاءُ الْخِطَابِ مُنْصَرِفًا إلَيْهِمْ وَلَيْسَ ذَلِكَ كَذَلِكَ إذْ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ أَوَّلَ الْخِطَابِ عُمُومًا فِي سَائِرِ النَّاسِ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ خَاصًّا فِي وُلَاةِ الْأَمْرِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي نَظَائِرِهِ فِي الْقُرْآنِ وَغَيْرِهِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ مَا اُؤْتُمِنَ عَلَيْهِ الْإِنْسَانُ فَهُوَ أَمَانَةٌ فَعَلَى الْمُؤْتَمَنِ عَلَيْهَا رَدُّهَا إلَى صَاحِبِهَا فَمِنْ الْأَمَانَاتِ الودائع على مُودَعِيهَا رَدُّهَا إلَى مَنْ أَوْدَعَهُ إيَّاهَا وَلَا خِلَافَ بَيْنَ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَى الْمُودَعِ فِيهَا إنْ هَلَكَتْ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ فِيهِ الضَّمَانُ ذَكَرَ الشَّعْبِيُّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ اسْتَحْمَلَنِي رَجُلٌ بِضَاعَةً فَضَاعَتْ مِنْ بَيْنِ ثِيَابِي فَضَمَّنَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْبَاقِي بْنُ قَانِعٍ قَالَ حَدَّثَنَا حامد بن

<<  <  ج: ص:  >  >>