للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَجُلِ إسْكَافٍ ادَّعَى قَالِبَ خُفٍّ فِي يَدِ صَيْرَفِيٍّ فَلَا يَسْتَحِقُّ يَدَ الصَّيْرَفِيِّ لِأَجْلِ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ صِنَاعَتِهِ وَمَسْأَلَةُ اللُّقَطَةِ هِيَ هَذِهِ بِعَيْنِهَا لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ لَا يَدَ لَهُ وَإِنَّمَا يُرِيدُ اسْتِحْقَاقَ يَدِ الْمُلْتَقِطِ بِالْعَلَامَةِ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّهَا بِالدَّعْوَى إذَا لَمْ تَكُنْ مَعَهُ عَلَامَةٌ فَكَذَلِكَ الْعَلَامَةُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَحِقَّ بِهَا يَدَ الْغَيْرِ وَأَمَّا مَا

رُوِيَ فِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ اللُّقَطَةِ فقال اعرف عفاصها وَوِعَاءَهَا وَوِكَاءَهَا ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَإِلَّا فَشَأْنُك بِهَا

فَإِنَّهُ لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى أَنَّ مُدَّعِيَهَا يَسْتَحِقُّهَا بِالْعَلَامَةِ لِأَنَّهُ يحتمل أن يكون إنما أمره بمعرفة العفاص وَالْوِعَاءِ وَالْوِكَاءِ لِئَلَّا يَخْتَلِطَ بِمَالِهِ وَلِيُعْلَمَ أَنَّهَا لَقْطَةٌ وَقَدْ يَكُونُ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى صِدْقِ الْمُدَّعِي فَيَسَعُهُ دَفْعُهَا إلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْ فِي الْحُكْمِ وَقَدْ يَكُونُ لِذِكْرِ الْعَلَامَةِ وَلِمَا يَظْهَرُ مِنْ الْحَالِ تَأْثِيرٌ فِي الْقَلْبِ يَغْلِبُ فِي الظَّنِّ صِدْقُهُ وَلَكِنَّهُ لَا يَعْمَلُ عَلَيْهِ فِي الْحُكْمِ وَقَدْ اسْتَدَلَّ يَعْقُوبُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى كَذِبِ إخْوَةِ يُوسُفَ بِأَنَّهُ لَوْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ لَخَرَّقَ قَمِيصَهُ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ شُرَيْحٍ وَإِيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ أَشْيَاءُ نَحْوُ هَذَا رَوَى ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ اخْتَصَمَ إلَى شُرَيْحٍ امْرَأَتَانِ فِي وَلَدِ هِرَّةٍ فَقَالَتْ إحْدَاهُمَا هَذِهِ وَلَدُ هِرَّتِي وَقَالَتْ الْأُخْرَى هَذِهِ وَلَدُ هِرَّتِي فَقَالَ أَلْقُوهَا مَعَ هَذِهِ فَإِنْ دَرَّتْ وَقَرَّتْ وَاسْبَطَرَتْ فَهِيَ لَهَا وَإِنْ هَرَّتْ وَفَرَّتْ وَازْبَأَرَّتْ فَلَيْسَ لَهَا وَرَوَى حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ أَخْبَرَنِي مُخْبِرٌ عَنْ إيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ أَنَّ امْرَأَتَيْنِ ادَّعَتَا كُبَّةَ غَزْلٍ فَخَلَا بِإِحْدَاهُمَا وَقَالَ عَلَامَ كَبَبْت غَزْلَك فَقَالَتْ عَلَى جَوْزَةٍ وَخَلَا بِالْأُخْرَى فَقَالَتْ عَلَى كِسْرَةِ خُبْزٍ فَنَقَضُوا الْغَزْلَ فَدَفَعُوهُ إلَى الَّتِي أَصَابَتْ وَهَذَا الَّذِي كَانَ يَفْعَلُهُ شُرَيْحٌ وَإِيَاسٌ مِنْ نَحْوِ هَذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى وَجْهِ إمْضَاءِ الْحُكْمِ بِهِ وَإِلْزَامِ الْخَصْمِ إيَّاهُ وَإِنَّمَا كَانَ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِدْلَالِ بِمَا يَغْلِبُ فِي الظَّنِّ مِنْهُ فَيُقَرِّرُ بَعْدَ ذَلِكَ الْمُبْطِلَ مِنْهُمَا وَقَدْ يَسْتَحْيِ الْإِنْسَانُ إذَا ظَهَرَ مِثْلُ هَذَا مِنْ الْإِقَامَةِ عَلَى الدَّعْوَى فَيُقِرُّ فَيُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالْإِقْرَارِ

قَوْله تَعَالَى قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا قِيلَ فِيهِ إضْمَارُ عَصِيرِ الْعِنَبِ لِلْخَمْرِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْخَمْرَ الْمَائِعَةَ لَا يَتَأَتَّى فِيهَا الْعَصْرُ وقيل معناه أعصر ما يؤول إلَى الْخَمْرِ فَسَمَّاهُ بِاسْمِ الْخَمْرِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ خَمْرًا عَلَى وَجْهِ الْمَجَازِ وَجَائِزٌ أَنْ يَعْصِرَ مِنْ الْعِنَبِ خَمْرًا بِأَنْ يَطْرَحَ الْعِنَبَ فِي الْخَابِيَةِ وَيُتْرَكَ حَتَّى يَنُشَّ وَيَغْلِيَ فَيَكُونَ مَا فِي الْعِنَبِ خَمْرًا فَيَكُونَ الْعَصْرُ لِلْخَمْرِ عَلَى وَجْهِ الْحَقِيقَةِ وَقَالَ الضَّحَّاكُ فِي لُغَةٍ تُسَمِّي الْعِنَبَ خَمْرًا قَوْله تَعَالَى نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إنَّا نَرَاك مِنْ الْمُحْسِنِينَ قَالَ قَتَادَةُ كَانَ يُدَاوِي مَرِيضَهُمْ وَيُعَزِّي حَزِينَهُمْ وَيَجْتَهِدُ فِي عِبَادَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>