للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَمَنْ رَدَّ الْأَمْرَ قُوتِلَ عَلَى الرِّدَّةِ وَمَنْ قَبِلَ الْأَمْرَ وَفَعَلَهُ مُحَرِّمًا لَهُ قُوتِلَ عَلَى تَرْكِهِ إنْ كَانَ مُمْتَنِعًا وَلَا يَكُونُ مُرْتَدًّا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُمْتَنِعًا عُزِّرَ بِالْحَبْسِ وَالضَّرْبِ عَلَى مَا يَرَى الْإِمَامُ وقَوْله تَعَالَى فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إعْلَامٌ بِأَنَّهُمْ إنْ لَمْ يَفْعَلُوا مَا أُمِرُوا به في هذه الآية فهم محاربون الله ورسوله وذلك إخْبَارٌ مِنْهُ بِمِقْدَارِ عِظَمِ الْجُرْمِ وَأَنَّهُمْ يَسْتَحِقُّونَ بِهِ هَذِهِ السِّمَةَ وَهِيَ أَنْ يُسَمُّوا مُحَارِبِينَ الله وَرَسُولِهِ وَهَذِهِ السِّمَةُ يَعْتَوِرُهَا مَعْنَيَانِ أَحَدُهُمَا الْكُفْرُ إذَا كَانَ مُسْتَحِلًّا وَالْآخَرُ الْإِقَامَةُ عَلَى أَكْلِ الربا مع اعتقاد التحريم على ما بينا وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَحْمِلُهُ عَلَى أَنَّهُ إعْلَامٌ مِنْهُ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَأْمُرُ رَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ بِمُحَارَبَتِهِمْ وَيَكُونُ إيذَانًا لَهُمْ بِالْحَرْبِ حَتَّى لَا يُؤْتُوا عَلَى غِرَّةٍ قَبْلَ الْعِلْمِ بِهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ فَإِذَا حُمِلَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ كَانَ الْخِطَابُ بِذَلِكَ مُتَوَجِّهًا إلَيْهِمْ إذَا كَانُوا ذَوِي مَنْعَةٍ وَإِذَا حَمَلْنَاهُ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ دَخَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ فَاعِلِي ذَلِكَ فِي الْخِطَابِ وَتَنَاوَلَهُ الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ فِيهِ فَهُوَ أَوْلَى

قَوْله تَعَالَى وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ فِيهِ تَأْوِيلَانِ أَحَدُهُمَا وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ غَرِيمًا لَكُمْ فَنَظِرَةٌ إلَى مَيْسَرَةٍ وَالثَّانِي عَلَى أن الْمُكْتَفِيَةَ بِاسْمِهَا عَلَى مَعْنَى وَإِنْ وَقَعَ ذُو عُسْرَةٍ أَوْ إنْ وُجِدَ ذُو عُسْرَةٍ كَقَوْلِ الشاعر:

فدى لبنى شيبان رحلي ونافتى إذَا كَانَ يَوْمٌ ذُو كَوَاكِبَ أَشْهَبُ مَعْنَاهُ إذَا وُجِدَ يَوْمٌ كَذَلِكَ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ فَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَشُرَيْحٍ وَإِبْرَاهِيمَ أَنَّهُ فِي الرِّبَا خَاصَّةً وَكَانَ شُرَيْحٌ يَحْبِسُ الْمُعْسِرَ فِي غَيْرِهِ مِنْ الدُّيُونِ وَرُوِيَ عَنْ إبْرَاهِيمَ وَالْحَسَنِ وَالرَّبِيعِ بْنِ خَيْثَمٍ وَالضَّحَّاكِ أَنَّهُ فِي سَائِرِ الدُّيُونِ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رِوَايَةٌ أُخْرَى مِثْلُ ذَلِكَ وَقَالَ آخَرُونَ إنَّ الَّذِي فِي الْآيَةِ إنْظَارُ الْمُعْسِرِ فِي الرِّبَا وَسَائِرِ الدُّيُونِ فِي حُكْمِهِ قِيَاسًا عَلَيْهِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ لَمَّا كَانَ قَوْله تَعَالَى وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ مُحْتَمِلًا أَنْ يَكُونَ شَامِلًا لِسَائِرِ الدُّيُونِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ وَجْهِ الِاحْتِمَالِ وَلِتَأْوِيلِ مَنْ تَأَوَّلَهُ مِنْ السَّلَفِ عَلَى ذَلِكَ إذْ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونُوا تَأَوَّلُوهُ عَلَى مَا لَا احْتِمَالَ فِيهِ وَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى الْعُمُومِ وَأَنْ لَا يَقْتَصِرَ بِهِ عَلَى الرِّبَا إلَّا بِدَلَالَةٍ لِمَا فِيهِ مِنْ تَخْصِيصِ لَفْظِ الْعُمُومِ مِنْ غَيْرِ دَلَالَةٍ فَإِنْ قِيلَ لَمَّا كَانَ قَوْله تَعَالَى وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ غَيْرَ مُكْتَفٍ بِنَفْسِهِ فِي إفَادَةِ الْحُكْمِ وَكَانَ متضمنا لما

<<  <  ج: ص:  >  >>