للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصُّقُورُ وَرَوَى أَبُو بِشْرٍ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ كان يكره صيد الطير ويقول مُكَلِّبِينَ إنَّمَا هِيَ الْكِلَابُ قَالَ أَبُو بَكْرٍ فَتَأَوَّلَ بعضهم قوله مُكَلِّبِينَ عَلَى الْكِلَابِ خَاصَّةً وَتَأَوَّلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى الْكِلَابِ وَغَيْرِهَا وَمَعْلُومٌ أَنَّ قَوْله تَعَالَى وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ شامل للطير والكلاب ثم قوله مُكَلِّبِينَ محتمل أن يريد ذِكْرُهُ مِنْ الْجَوَارِحِ وَالْكِلَابِ مِنْهَا وَيَكُونَ قَوْلُهُ مُكَلِّبِينَ بِمَعْنَى مُؤَدِّبِينَ أَوْ مُضِرِّينَ وَلَا يُخَصَّصُ ذَلِكَ بِالْكِلَابِ دُونَ غَيْرِهَا فَوَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى الْعُمُومِ وَأَنْ لَا يُخَصَّصَ بِالِاحْتِمَالِ وَلَا نَعْلَمُ خِلَافًا بَيْنَ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ فِي إبَاحَةِ صَيْدِ الطَّيْرِ وَإِنْ قَتَلَ وَأَنَّهُ كَصَيْدِ الْكَلْبِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَمَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ وَالشَّافِعِيُّ مَا عَلَّمْت مِنْ كُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطَّيْرِ وَذِي ناب من السباع فإنه يجوز صيده وظاهر الآية يشهد لهذه المقابلة لِأَنَّهُ أَبَاحَ صَيْدَ الْجَوَارِحِ وَهُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى جميع ما يجرى بناب أو مخلب وَعَلَى مَا يَكْسِبُ عَلَى أَهْلِهِ بِالِاصْطِيَادِ لَمْ يُفَرَّقْ فِيهِ بَيْنَ الْكَلْبِ وَبَيْنَ غَيْرِهِ وقَوْله تعالى وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ شَرْطَ إبَاحَةِ صَيْدِ هَذِهِ الْجَوَارِحِ أَنْ تَكُونَ مُعَلَّمَةً وَأَنَّهَا إذَا لَمْ تكن معلمة لَمْ يَكُنْ مُذَكًّى وَذَلِكَ لِأَنَّ الْخِطَابَ خَرَجَ على سؤال السائلين عما يحمل مِنْ الصَّيْدِ فَأَطْلَقَ لَهُمْ إبَاحَةَ صَيْدِ الْجَوَارِحِ الْمُعَلَّمَةِ وَذَلِكَ شَامِلٌ لِجَمِيعِ مَا شَمِلَتْهُ الْإِبَاحَةُ وَانْتَظَمَهُ الْإِطْلَاقُ لِأَنَّ السُّؤَالَ وَقَعَ عَنْ جَمِيعِ مَا يَحِلُّ لَهُمْ مِنْ الصَّيْدِ فَخُصَّ الْجَوَابُ بأوصاف الْمَذْكُورَةِ فَلَا تَجُوزُ اسْتِبَاحَةُ شَيْءٍ مِنْهُ إلَّا عَلَى الْوَصْفِ الْمَذْكُورِ ثُمَّ قَالَ تَعَالَى تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فروى عن سليمان وَسَعْدٍ أَنَّ تَعْلِيمَهُ أَنْ يُضَرَّى عَلَى الصَّيْدِ وَيَعُودَ إلَى إلْفِ صَاحِبِهِ حَتَّى يَرْجِعَ إلَيْهِ ولا يهرب عنه وكذلك قال ابن عمرو سعيد ابن الْمُسَيِّبِ وَلَمْ يَشْرِطُوا فِيهِ تَرْكَ الْأَكْلِ وَرُوِيَ عَنْ غَيْرِهِمَا أَنَّ ذَلِكَ مِنْ تَعْلِيمِ الْكَلْبِ وَأَنَّ مِنْ شَرْطِ إبَاحَةِ صَيْدِهِ أَنْ لَا يَأْكُلَ مِنْهُ فَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ لَمْ يُؤْكَلْ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَقَالُوا جَمِيعًا فِي صَيْدِ الْبَازِي أنه يؤكل منه وإنما تعليمه أن تدعوه فيجيبك.

ذكر اختلاف الفقهاء فِي ذَلِكَ

قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَزُفَرُ إذَا أَكَلَ الْكَلْبُ مِنْ الصَّيْدِ فَهُوَ غَيْرُ مُعَلَّمٍ لَا يُؤْكَلُ صَيْدُهُ وَيُؤْكَلُ صَيْدُ الْبَازِي وَإِنْ أَكَلَ وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَقَالَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ يُؤْكَلُ وَإِنْ أَكَلَ الْكَلْبُ مِنْهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يُؤْكَلُ إذَا أَكَلَ الْكَلْبُ مِنْهُ وَالْبَازِي

<<  <  ج: ص:  >  >>