للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَرَاهَةِ الْمَسْأَلَةِ وَلَا دَلَالَةَ فِيهَا عَلَى تَحْرِيمِ الصَّدَقَةِ عَلَيْهِ وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَحِبُّ تَرْكَ الْمَسْأَلَةِ لِمَنْ يَمْلِكُ ما يغديه ويعشيه إذ كان هناك من فقراء المسلمين وأهل الصُّفَّةِ مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى غَدَاءٍ وَلَا عَشَاءٍ فَاخْتَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ يَمْلِكُ هَذَا الْقَدْرَ الِاقْتِصَارَ عَلَى مَا يَمْلِكُهُ وَالتَّعَفُّفَ بِتَرْكِ الْمَسْأَلَةِ لِيَصِلَ ذَلِكَ إلَى مَنْ هُوَ أَحْوَجُ مِنْهُ إلَيْهِ لَا عَلَى وَجْهِ التَّحْرِيمِ وَلَمَّا اتَّفَقَ الْجَمِيعُ عَلَى أَنَّ سَبِيلَ اسْتِبَاحَةِ الصَّدَقَةِ لَيْسَتْ سَبِيلَ الضَّرُورَةِ إلَى الْمَيْتَةِ إذْ كَانَتْ الْمَيْتَةُ لَا تَحِلُّ إلَّا عِنْدَ الْخَوْفِ عَلَى النَّفْسِ وَالصَّدَقَةِ تَحِلُّ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ لِمَنْ احْتَاجَ وَلَمْ يَخَفْ الْمَوْتَ إذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ شَيْءٌ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْمُبِيحُ لَهَا الْفَقْرَ وَأَيْضًا لَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الأخبار مختلفا في استعمال حكمها وهي في أنفسها مُخْتَلِفَةٌ وَاتَّفَقَ الْجَمِيعُ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْخَبَرِ الَّذِي رَوَيْنَا فِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَتَحْرِيمِ الصَّدَقَةِ مَعَهَا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ ثَابِتَ الْحُكْمِ وَمَا عَدَاهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى وَجْهِ الْكَرَاهَةِ لِلْمَسْأَلَةِ أَوْ مَنْسُوخَةً بِخَبَرِنَا إنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهَا تحريم الصدقة.

بَابُ الرِّبَا

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ- إلَى قَوْلِهِ- وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا قال أَبُو بَكْرٍ أَصْلُ الرِّبَا فِي اللُّغَةِ هُوَ الزِّيَادَةُ وَمِنْهُ الرَّابِيَةُ لِزِيَادَتِهَا عَلَى مَا حَوَالَيْهَا مِنْ الْأَرْضِ وَمِنْهُ الرَّبْوَةُ مِنْ الْأَرْضِ وَهِيَ الْمُرْتَفِعَةُ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ أَرْبَى فُلَانٌ عَلَى فُلَانٍ فِي الْقَوْلِ أَوْ الْفِعْلِ إذَا زَادَ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي الشَّرْعِ يَقَعُ عَلَى مَعَانٍ لَمْ يَكُنْ الِاسْمُ مَوْضُوعًا لَهَا فِي اللُّغَةِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمَّى النَّسَاءَ رِبًا

فِي حَدِيثِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ فَقَالَ إنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ

وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إنَّ مِنْ الرِّبَا أَبْوَابًا لَا تَخْفَى مِنْهَا السَّلَمُ فِي السِّنِّ يَعْنِي الْحَيَوَانَ وَقَالَ عُمَرُ أَيْضًا إنَّ آيَةَ الرِّبَا مِنْ آخِرِ مَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ وَإِنَّ النبي صلّى الله عليه وسلّم قُبِضَ قَبْلَ أَنْ يُبَيِّنَهُ لَنَا فَدَعُوا الرِّبَا وَالرِّيبَةَ فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ الرِّبَا قَدْ صَارَ اسْمًا شَرْعِيًّا لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ بَاقِيًا عَلَى حُكْمِهِ فِي أَصْلِ اللُّغَةِ لَمَا خَفِيَ عَلَى عُمَرَ لِأَنَّهُ كَانَ عَالِمًا بِأَسْمَاءِ اللُّغَةِ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِهَا وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْعَرَبَ لَمْ تَكُنْ تَعْرِفُ بَيْعَ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ نَسَاءً رِبًا وَهُوَ رِبًا فِي الشَّرْعِ وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ عَلَى مَا وَصَفْنَا صَارَ بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ الْأَسْمَاءِ الْمُجْمَلَةِ الْمُفْتَقِرَةِ إلَى الْبَيَانِ وَهِيَ الْأَسْمَاءُ الْمَنْقُولَةُ مِنْ اللُّغَةِ إلَى الشَّرْعِ لَمَعَانٍ لَمْ يَكُنْ الِاسْمُ مَوْضُوعًا لَهَا فِي اللُّغَةِ نَحْوُ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالزَّكَاةِ فَهُوَ مُفْتَقِرٌ إلَى الْبَيَانِ وَلَا يَصِحُّ الِاسْتِدْلَال بِعُمُومِهِ فِي تَحْرِيمِ شَيْءٍ مِنْ الْعُقُودِ إلَّا فِيمَا قَامَتْ دَلَالَتُهُ أَنَّهُ مُسَمًّى فِي الشَّرْعِ

<<  <  ج: ص:  >  >>