الْآيَةُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا شَيْئًا بَعْدَ الْخَلْوَةِ وَالطَّلَاقِ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ قَدْ أَفَادَ الْفُرْقَةَ وَالطَّلَاقَ وَالْإِفْضَاءُ مَأْخُوذٌ مِنْ الْفَضَاءِ وَهُوَ الْمَكَانُ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ بِنَاءٌ حَاجِزٌ عَنْ إدْرَاكِ مَا فِيهِ فَسُمِّيت الْخَلْوَةُ إفْضَاءً لِزَوَالِ الْمَانِعِ مِنْ الْوَطْءِ وَالدُّخُولِ وَمِنْ النَّاسِ مِنْ يَقُولُ إنَّ الْفَضَاءَ السَّعَةُ وَأَفْضَى إذا صار الْمُتَّسَعِ مِمَّا يَقْصِدُهُ وَجَائِزٌ عَلَى هَذَا الْوَضْعِ أَيْضًا أَنْ تُسَمَّى الْخَلْوَةُ إفْضَاءً لَوُصُولِهِ بِهَا إلَى مَكَانِ الْوَطْءِ وَاتِّسَاعِ ذَلِكَ بِالْخَلْوَةِ وَقَدْ كَانَ يَضِيقُ عَلَيْهِ الْوُصُولُ إلَيْهَا قَبْلَ الْخَلْوَةِ فَسُمِّيت الْخَلْوَةُ إفْضَاءً لِهَذَا الْمَعْنَى فَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ لَهُ أَخْذُ شَيْءٍ مِمَّا أَعْطَاهَا مَعَ إفْضَاءِ بَعْضِهِمْ إلَى بَعْضٍ وَهُوَ الْوُصُولُ إلَى مَكَانِ الْوَطْءِ وَبَذْلُهَا ذَلِكَ لَهُ وَتَمْكِينُهَا إيَّاهُ مِنْ الْوُصُولِ إلَيْهَا فَظَاهِرُ هَذِهِ الآية تمنع الزَّوْجَ أَخْذَ شَيْءٍ مِمَّا أَعْطَاهَا إذَا كَانَ النُّشُوزُ مِنْ قِبَلِهِ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الزَّوْجَ هُوَ الْمَرِيدُ لِلْفُرْقَةِ دُونَهَا وَلِذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُنَا إنَّ النُّشُوزَ إذَا كَانَ مِنْ قِبَلِهِ يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ شَيْئًا مِنْ مَهْرِهَا وَإِذَا كَانَ مِنْ قِبَلِهَا فَجَائِزٌ لَهُ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ فَقِيلَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ إنَّ الْفَاحِشَةَ هِيَ النشوز وقال غيره هي الزنا ولقوله تَعَالَى فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ إنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ وَذَلِكَ غَلَطٌ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ قَدْ أَفَادَ حَالَ كَوْنِ النُّشُوزِ مِنْ قِبَلِهِ وقَوْله تَعَالَى إِلَّا أَنْ يَخافا أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ إنَّمَا فِيهِ ذِكْرُ حَالٍ أُخْرَى غَيْرُ الْأُولَى وَهِيَ الْحَالُ الَّتِي يَكُونُ النُّشُوزُ مِنْهَا وَافْتَدَتْ فِيهَا الْمَرْأَةُ مِنْهُ فَهَذِهِ حَالٌ غَيْرُ تِلْكَ وكل واحد مِنْ الْحَالَيْنِ مَخْصُوصَةٌ بِحُكْمٍ دُونَ الْأُخْرَى وقَوْله تعالى وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً قَالَ الْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ وَقَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ وَالسُّدِّيُّ هُوَ قَوْلُهُ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ قَالَ قَتَادَةُ وَكَانَ يُقَالُ لِلنَّاكِحِ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ اللَّهُ عَلَيْك لَتُمْسِكَنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ لَتُسَرِّحَنَّ بِإِحْسَانٍ وَقَالَ مُجَاهِدٌ كَلِمَةُ النِّكَاحِ الَّتِي يُسْتَحَلُّ بِهَا الْفَرْجُ وَقَالَ غَيْرُهُ هُوَ
قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
بَابُ مَا يَحْرُمُ مِنْ النِّسَاءِ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ «٤- أحكام لث»
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute