للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حُكْمُهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَتَى ذَمَّ قَوْمًا عَلَى فِعْلٍ فَذَلِكَ الْفِعْلُ قَبِيحٌ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ مِنْ النَّاسِ فِعْلُهُ إلَّا أَنْ تَقُومَ الدَّلَالَةُ عَلَيْهِ وَقِيلَ إنَّ أَصْلَ الْعِزَّةِ هُوَ الشِّدَّةُ وَمِنْهُ قِيلَ لِلْأَرْضِ الصُّلْبَةِ الشَّدِيدَةِ عَزَازُ وَقِيلَ قَدْ اسْتَعَزَّ الْمَرَضُ عَلَى الْمَرِيضِ إذَا اشْتَدَّ مَرَضُهُ وَمِنْهُ قَوْلُ الْقَائِلِ عَزَّ عَلَيَّ كَذَا إذَا اشْتَدَّ عَلَيْهِ وَعَزَّ الشَّيْءُ إذَا قَلَّ لِأَنَّهُ يَشْتَدُّ مَطْلَبُهُ وَعَازَّهُ فِي الْأَمْرِ إذَا شَادَّهُ فِيهِ وَشَاةٌ عَزُوزٌ إذَا كَانَتْ تَحْلِبُ بِشِدَّةٍ لِضِيقِ أَحَالِيلِهَا وَالْعِزَّةُ الْقُوَّةُ مَنْقُولَةٌ عَنْ الشِّدَّةِ وَالْعَزِيزُ الْقَوِيُّ الْمَنِيعُ فَتَضَمَّنَتْ الْآيَةُ النَّهْيَ عَنْ اتِّخَاذِ الْكُفَّارِ أَوْلِيَاءَ وأنصار أو الاعتزاز بِهِمْ وَالِالْتِجَاءِ إلَيْهِمْ لِلتَّعَزُّزِ بِهِمْ

وَقَدْ حَدَّثَنَا مَنْ لَا أَتَّهِمُ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِسْحَاقَ بْنُ إبْرَاهِيمَ الدَّوْرِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا يعقوب بن حميد ابن كَاسِبٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأُمَوِيُّ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ الْحُرِّ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ مَنْ اعْتَزَّ بِالْعَبِيدِ أَذَلَّهُ اللَّهُ تَعَالَى

وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَعْنَى الْآيَةِ فِيمَنْ اعْتَزَّ بِالْكُفَّارِ وَالْفُسَّاقِ وَنَحْوِهِمْ فَأَمَّا أَنْ يَعْتَزَّ بِالْمُؤْمِنِينَ فَذَلِكَ غَيْرُ مَذْمُومٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وقَوْله تَعَالَى أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً تَأْكِيدٌ لِلنَّهْيِ عَنْ الِاعْتِزَازِ بِالْكُفَّارِ وَإِخْبَارٌ بِأَنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ دُونَهُمْ وَذَلِكَ مُنْصَرِفٌ عَلَى وُجُوهٍ أحدها امتناع إطلاق العزة لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِأَنَّهُ لَا يُعْتَدُّ بِعِزَّةِ أَحَدٍ مَعَ عِزَّتِهِ لِصِغَرِهَا وَاحْتِقَارِهَا فِي صِفَةِ عِزَّتِهِ وَالْآخَرُ أَنَّهُ الْمُقَوِّي لِمَنْ لَهُ الْقُوَّةُ مِنْ جَمِيعِ خَلْقِهِ فَجَمِيعُ الْعِزَّةِ لَهُ إذْ كَانَ عَزِيزًا لِنَفْسِهِ مُعِزًّا لِكُلِّ مَنْ نُسِبَ إلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْعِزَّةِ وَالْآخَرُ أَنَّ الْكُفَّارَ أَذِلَّاءُ فِي حُكْمِ اللَّهِ فَانْتَفَتْ عَنْهُمْ صِفَةُ العزة وكانت لله ومن جَعَلَهَا لَهُ فِي الْحُكْمِ وَهُمْ الْمُؤْمِنُونَ فَالْكُفَّارُ وَإِنْ حَصَلَ لَهُمْ ضَرْبٌ مِنْ الْقُوَّةِ وَالْمَنَعَةِ فغير مستحق لِإِطْلَاقِ اسْمِ الْعِزَّةِ لَهُمْ

قَوْله تَعَالَى وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها فِيهِ نَهْيٌ عَنْ مُجَالَسَةِ مَنْ يُظْهِرُ الْكُفْرَ وَالِاسْتِهْزَاءَ بِآيَاتِ اللَّهِ فَقَالَ تَعَالَى فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وحتى هاهنا تَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا تَصِيرُ غَايَةً لِحَظْرِ الْقُعُودِ مَعَهُمْ حَتَّى إذَا تَرَكُوا إظْهَارَ الْكُفْرِ وَالِاسْتِهْزَاءِ بِآيَاتِ اللَّهِ زَالَ الْحَظْرُ عَنْ مُجَالَسَتِهِمْ وَالثَّانِي أَنَّهُمْ كَانُوا إذَا رَأَوْا هَؤُلَاءِ أَظْهَرُوا الْكُفْرَ وَالِاسْتِهْزَاءَ بِآيَاتِ اللَّهِ فَقَالَ لَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ لِئَلَّا يُظْهِرُوا ذَلِكَ وَيَزْدَادُوا كُفْرًا وَاسْتِهْزَاءً بِمُجَالَسَتِكُمْ لَهُمْ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّ مَا اقْتَضَتْهُ الْآيَةُ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>