مَنْ لَيْسَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لِآدَمِيٍّ وَلَمْ يُوصِ بِشَيْءٍ أَنَّ جَمِيعَ مِيرَاثِهِ لَوَرَثَتِهِ وَأَنَّهُ إنْ كَانَ عَلَيْهِ حَجٌّ أَوْ زَكَاةٌ لَمْ يَجِبْ إخْرَاجُهُ إلَّا أَنْ يُوصِيَ بِهِ وَكَذَلِكَ الْكَفَّارَاتُ وَالنُّذُورُ فَإِنْ قِيلَ إنَّ الْحَجَّ دَيْنٌ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا يُلْزِمُهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الْقُرَبِ فِي الْمَالِ
لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْخَثْعَمِيَّةِ حِينَ سَأَلْته عَنْ الْحَجِّ عَنْ أَبِيهَا أَرَأَيْت لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيك دَيْنٌ فَقَضَيْتِيهِ أَكَانَ يُجْزِئُ قَالَتْ نَعَمْ قَالَ فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ بِالْقَضَاءِ
قِيلَ لَهُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا سَمَّاهُ دَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَمْ يُسَمِّهِ بِهَذَا الِاسْمِ إلَّا مُقَيَّدًا فَلَا يَتَنَاوَلُهُ الْإِطْلَاقُ وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ إنما اقتضى التبدئة بما يسمى به عَلَى الْإِطْلَاقِ فَلَا يَنْطَوِي تَحْتَهُ مَا لَا يُسَمَّى بِهِ إلَّا مُقَيَّدًا لِأَنَّ فِي اللُّغَةِ وَالشَّرْعِ أَسْمَاءً مُطْلَقَةً وَأَسْمَاءً مُقَيَّدَةً فَلَا يَتَنَاوَلُ الْمُطْلَقُ إلَّا مَا يَقَعُ الِاسْمُ عَلَيْهِ عَلَى الْإِطْلَاقِ فَإِذَا لَمْ تَتَنَاوَلْ الْآيَةُ مَا كَانَ مِنْ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ الدُّيُونِ لِمَا وَصَفْنَا اقْتَضَى قَوْله تَعَالَى مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ أنه إذا لم يوص ولم يَكُنْ عَلَيْهِ دِينٌ لِآدَمِيٍّ أَنْ يَسْتَحِقَّ الْوَارِثُ جَمِيعَ تَرِكَتِهِ
وَحَدِيثُ سَعْدٍ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا لِأَنَّهُ قَالَ أَتَصَدَّقُ بِمَالِي وَفِي لَفْظٍ آخَرَ أُوصِي بِمَالِي فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم الثلث والثلث كثير
ولم يستئن النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَجَّ وَلَا الزكاة ونحوها مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَنَعَ الصَّدَقَةَ وَالْوَصِيَّةَ إلَّا بِثُلُثِ الْمَالِ فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّهُ إذَا أَوْصَى بِهَذِهِ الْحُقُوقِ كَانَتْ مِنْ الثُّلُثِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا
حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ لَكُمْ ثُلُثَ أَمْوَالِكُمْ فِي آخِرِ أَعْمَارِكُمْ زِيَادَةً فِي أَعْمَالِكُمْ
وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ حَاكِيًا عَنْ اللَّهِ تَعَالَى جَعَلْت لَك نَصِيبًا فِي مَالِك حِينَ أَخَذْت بِكَظْمِكَ
يَدُلُّ جَمِيعُ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ وَصِيَّتَهُ بِالزَّكَاةِ وَالنُّذُورِ وَسَائِرِ الْقُرَبِ وَإِنْ كَانَتْ وَاجِبَةً لَا تَجُوزُ إلَّا مِنْ الثلث والله أعلم.
بَابُ الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ نَجْدَةَ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ عَيَّاشٍ عن شرحبيل بن مسلم قال سمعت أبا أُمَامَةَ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ
وَرَوَى عَمْرُو بْنُ خَارِجَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ إلَّا أَنْ تُجِيزَهَا الْوَرَثَةُ
وَنَقَلَ أَهْلُ السِّيَرِ
خُطْبَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَفِيهَا أَنْ لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ
فَوَرَدَ نَقْلُ ذَلِكَ مُسْتَفِيضًا كَاسْتِفَاضَةِ وُجُوبِ الِاقْتِصَارِ بِالْوَصِيَّةِ عَلَى الثُّلُثِ دُونَ مَا زَادَ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا مِنْ طَرِيقِ نَقْلِ الِاسْتِفَاضَةِ