للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَعَارَهُ دَرَاهِمَ فَإِنَّ ذَلِكَ قَرْضٌ وَلِذَلِكَ لَمْ يجيزوا استيجار الدَّرَاهِمِ لِأَنَّهَا قَرْضٌ فَكَأَنَّهُ اسْتَقْرَضَ دَرَاهِمَ عَلَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِنْهَا فَلَمَّا لَمْ يَصِحَّ الْأَجَلُ فِي الْعَارِيَّةِ لَمْ يَصِحَّ فِي الْقَرْضِ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَرْضَ الدَّرَاهِمِ عَارِيَّةٌ

حَدِيثُ إبْرَاهِيمَ الْهِجْرِيِّ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَدْرُونَ أَيُّ الصَّدَقَةِ خَيْرٌ قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ خَيْرُ الصَّدَقَةِ الْمِنْحَةُ أَنْ تَمْنَحَ أَخَاك الدَّرَاهِمَ أَوْ ظَهْرَ الدَّابَّةِ أَوْ لَبَنَ الشَّاةِ وَالْمِنْحَةُ هِيَ الْعَارِيَّةُ

فَجَعَلَ قَرْضَ الدَّرَاهِمِ عَارِيَّتَهَا أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ فِي حَدِيثٍ آخَرَ وَالْمِنْحَةُ مَرْدُودَةٌ فَلَمَّا لَمْ يَصِحَّ التَّأْجِيلُ فِي الْعَارِيَّةِ لَمْ يَصِحَّ فِي الْقَرْضِ وَأَجَازَ الشَّافِعِيُّ التَّأْجِيلَ فِي الْقَرْضِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ وَمِنْهُ الْإِعَانَةُ.

بَابُ الْبَيْعِ

قوله عز وجل وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ عُمُومٌ فِي إبَاحَةِ سَائِرِ الْبِيَاعَاتِ لِأَنَّ لَفْظَ الْبَيْعِ مَوْضُوعٌ لِمَعْنًى مَعْقُولٍ فِي اللُّغَةِ وَهُوَ تَمْلِيكُ الْمَالِ بِمَالٍ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَهَذَا هُوَ حَقِيقَةُ الْبَيْعِ فِي مَفْهُومِ اللِّسَانِ ثُمَّ مِنْهُ جَائِزٌ وَمِنْهُ فَاسِدٌ إلَّا أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مَانِعٍ مِنْ اعْتِبَارِ عُمُومِ اللَّفْظِ مَتَى اخْتَلَفْنَا فِي جَوَازِ بَيْعٍ أَوْ فَسَادِهِ وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ وَإِنْ كَانَ مَخْرَجُهَا مَخْرَجَ الْعُمُومِ فَقَدْ أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ لِأَنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى حَظْرِ كَثِيرٍ مِنْ الْبِيَاعَاتِ نَحْوُ بَيْعِ مَا لَمْ يُقْبَضْ وَبَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ وَبَيْعِ الْغَرَرِ وَالْمَجَاهِيلِ وَعَقْدِ الْبَيْعِ عَلَى الْمُحَرَّمَاتِ مِنْ الْأَشْيَاءِ وَقَدْ كَانَ لَفْظُ الْآيَةِ يُوجِبُ جَوَازَ هَذِهِ الْبِيَاعَاتِ وَإِنَّمَا خُصَّتْ مِنْهَا بِدَلَائِلَ إلَّا أَنَّ تَخْصِيصَهَا غَيْرُ مَانِعٍ اعْتِبَارَ عُمُومِ لَفْظِ الْآيَةِ فِيمَا لَمْ تَقُمْ الدَّلَالَةُ عَلَى تَخْصِيصِهِ وَجَائِزٌ أَنْ يُسْتَدَلَّ بِعُمُومِهِ عَلَى جَوَازِ الْبَيْعِ الْمَوْقُوفِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَالْبَيْعُ اسْمٌ لِلْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَلَيْسَتْ حَقِيقَتُهُ وُقُوعَ الْمِلْكِ بِهِ لِلْعَاقِدِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْبَيْعَ الْمَعْقُودَ عَلَى شَرْطِ خِيَارِ الْمُتَبَايِعَيْنِ لَمْ يُوجِبْ مِلْكًا وَهُوَ بَيْعٌ وَالْوَكِيلَانِ يَتَعَاقَدَانِ الْبَيْعَ وَلَا يملكان وقوله تعالى وَحَرَّمَ الرِّبا حُكْمُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الْإِجْمَالِ وَالْوَقْفِ عَلَى وُرُودِ الْبَيَانِ فَمِنْ الرِّبَا مَا هُوَ بَيْعٌ وَمِنْهُ مَا لَيْسَ بِبَيْعٍ وَهُوَ رِبَا أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ وَهُوَ الْقَرْضُ الْمَشْرُوطُ فِيهِ الْأَجَلُ وَزِيَادَةُ مَالٍ عَلَى الْمُسْتَقْرِضِ وَفِي سِيَاقِ الْآيَةِ مَا أَوْجَبَ تَخْصِيصَ مَا هُوَ رِبًا مِنْ الْبِيَاعَاتِ مِنْ عُمُومِ قَوْله تَعَالَى وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَظَنَّ الشَّافِعِيُّ أَنَّ لَفْظَ الرِّبَا لَمَّا كَانَ مُجْمَلًا أَنَّهُ يُوجِبُ إجْمَالَ لَفْظِ الْبَيْعِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ عِنْدَنَا لِأَنَّ مَا لَا يُسَمَّى رِبًا مِنْ الْبِيَاعَاتِ فَحُكْمُ

<<  <  ج: ص:  >  >>