كَيَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ لَا مَأْثَمَ عَلَيْهِ فِي التَّعْجِيلِ وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ الحسن وغيره وقال [مَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ] لِأَنَّهُ مُبَاحٌ لَهُ التَّأْخِيرُ وَقَوْلُهُ [لِمَنِ اتَّقى] يَحْتَمِلُ لِمَنْ اتَّقَى مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ فِي الْإِحْرَامِ بِقَوْلِهِ [فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِ] وَإِنْ لَمْ يَتَّقِ فَغَيْرُ مَوْعُودٍ بِالثَّوَابِ.
قَوْله تَعَالَى [وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا] الْآيَةَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ فِيهِ تَحْذِيرٌ مِنْ الِاغْتِرَارِ بِظَاهِرِ الْقَوْلِ وَمَا يُبْدِيهِ مِنْ حَلَاوَةِ الْمَنْطِقِ وَالِاجْتِهَادِ فِي تَأْكِيدِ مَا يُظْهِرُهُ فَأَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ يُظْهِرُ بِلِسَانِهِ مَا يُعْجِبُكَ ظَاهِرُهُ [وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ] وَهَذِهِ صِفَةُ الْمُنَافِقِينَ مِثْلَ قَوْله تَعَالَى [قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً] وَقَوْلُهُ [وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ] فَأَعْلَمَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ ضَمَائِرَهُمْ لِئَلَّا يَغْتَرَّ بِظَاهِرِ أَقْوَالِهِمْ وَجَعَلَهُ عِبْرَةً لَنَا فِي أَمْثَالِهِمْ لِئَلَّا نَتَّكِلَ عَلَى ظَاهِرِ أُمُورِ النَّاسِ وَمَا يُبْدُونَهُ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَفِيهِ الْأَمْرُ بِالِاحْتِيَاطِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِأَمْثَالِهِمْ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا فَلَا نَقْتَصِرُ فِيمَا أُمِرْنَا بِائْتِمَانِ النَّاسِ عَلَيْهِ مِنْ أَمْرِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا عَلَى ظَاهِرِ حَالِ الْإِنْسَانِ دُونَ الْبَحْثِ عَنْهُ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ عَلَيْهِ اسْتِبْرَاءَ حَالِ مَنْ يُرَادُ لِلْقَضَاءِ وَالشَّهَادَةِ والفتية وَالْإِمَامَةِ وَمَا جَرَى مَجْرَى ذَلِكَ فِي أَنْ لا يقبل منهم ظاهرهم حتى يسئل وَيَبْحَثَ عَنْهُمْ إذْ قَدْ حَذَّرَنَا اللَّهُ تَعَالَى أَمْثَالَهُمْ فِي تَوْلِيَتِهِمْ عَلَى أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ
أَلَا تَرَى أَنَّهُ عَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ [وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ] فَكَانَ ذِكْرُ التَّوَلِّي فِي هَذَا الْمَوْضِعِ إعْلَامًا لَنَا أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ الِاقْتِصَارُ عَلَى ظَاهِرِ مَا يُظْهِرُهُ دُونَ الِاسْتِبْرَاءِ لِحَالِهِ مِنْ غَيْرِ جهته قوله تعالى [وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ] هو وصف له بالمبالغة في شدة الخصومة والقتل لِلْخَصْمِ بِهَا عَنْ حَقِّهِ وَإِحَالَتِهِ إلَى جَانِبِهِ وَيُقَالُ لَدَّهُ عَنْ كَذَا إذَا حَبَسَهُ وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم إنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ يَكُونُ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ وَإِنَّمَا أَقْضِي بِمَا أَسْمَعُ فمن قضيت له من حق أخيه بشيء فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ
فَكَانَ معنى قوله [وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ] أَنَّهُ أَشَدُّ الْمُخَاصِمِينَ خُصُومَةً وَقَوْلُهُ [وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ] نَصَّ عَلَى بُطْلَانِ مَذْهَبِ أَهْل الْإِجْبَارِ لِأَنَّ مَا لَا يُحِبُّهُ اللَّهُ فَهُوَ لَا يُرِيدُهُ وما يُرِيدُهُ فَهُوَ لَا يُحِبُّهُ فَأَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ وَهَذَا يُوجِب أَنْ لَا يَفْعَل الْفَسَادَ لِأَنَّهُ لَوْ فَعَلَهُ لَكَانَ مُرِيدًا لَهُ وَمُحِبًّا لَهُ وهو
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute