للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مَعْصِيَةٌ وَكُفْرٌ فَكَرِهَهُ اللَّه تَعَالَى وَثَبَّطَهُمْ عَنْهُ إذْ كَانَ مَعْصِيَةً واللَّه لا يجب الْفَسَادَ وقَوْله تَعَالَى وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ أَيْ مَعَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قَالَ لَهُمْ اُقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ وَجَائِزٌ أن يكون قال بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ

قَوْله تَعَالَى لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادوكم إلا خبالا الْآيَةَ فِيهِ بَيَانُ وَجْهِ خُرُوجِهِمْ لَوْ خَرَجُوا وَإِخْبَارٌ أَنَّ الْمَصْلَحَةَ لِلْمُسْلِمِينَ كَانَتْ فِي تَخَلُّفِهِمْ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُعَاتَبَةَ اللَّه لِنَبِيِّهِ صلّى اللَّه عليه وآله وسلم في قوله لم أذنت لهم أَنَّ اللَّه عَلِمَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُمْ لَمْ يَخْرُجُوا أَيْضًا فَيَظْهَرُ لِلْمُسْلِمِينَ كِذْبُهُمْ ونفاقهم وقد أخبر اللَّه تعالى أو خُرُوجَهُمْ لَوْ خَرَجُوا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ كَانَ يَكُونُ مَعْصِيَةً وَفَسَادًا عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَقَوْلُهُ مَا زادوكم إلا خبالا وَالْخَبَالُ الِاضْطِرَابُ فِي الرَّأْيِ فَأَخْبَرَ اللَّه تَعَالَى أَنَّهُمْ لَوْ خَرَجُوا لَسَعَوْا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي التَّضْرِيبِ وَإِفْسَادِ الْقُلُوبِ وَالتَّخْذِيلِ عَنْ الْعَدُوِّ فَكَانَ ذَلِكَ يُوجِبُ اضْطِرَابَ آرَائِهِمْ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ لم قال ما زادوكم إلا خبالا وَلَمْ يَكُونُوا عَلَى خَبَالٍ يُزَادُ فِيهِ قِيلَ لَهُ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أَحَدِهِمَا أَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ تَقْدِيرُهُ مَا زَادُوكُمْ قُوَّةً لَكِنْ طَلَبُوا لَكُمْ الْخَبَالَ وَالْآخَرُ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْمٌ مِنْهُمْ قَدْ كَانُوا عَلَى خَبَالٍ فِي الرَّأْيِ لِمَا يَعْرِضُ فِي النُّفُوسِ مِنْ التَّلَوُّنِ إلَى أَنْ اسْتَقَرَّ عَلَى الصَّوَابِ فَيُقَوِّيهِ هَؤُلَاءِ حَتَّى يَصِيرَ خَبَالًا مَعْدُولًا بِهِ عَنْ صَوَابِ الرَّأْيِ قوله تعالى ولأوضعوا خلالكم قَالَ الْحَسَنُ وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ بِالنَّمِيمَةِ لِإِفْسَادِ ذَاتِ بينكم وقوله تعالى يبغونكم الفتنة فإن الفتنة هاهنا الْمِحْنَةُ بِاخْتِلَافِ الْكَلِمَةِ وَالْفُرْقَةِ وَيَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْكُفْرَ لِأَنَّهُ يُسَمَّى بِهَذَا الِاسْمِ لِقَوْلِهِ تعالى وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة وقوله والفتنة أشد من القتل وقوله وفيكم سماعون لهم قَالَ الْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ عُيُونٌ مِنْهُمْ يَنْقُلُونَ إلَيْهِمْ مَا يَسْمَعُونَ مِنْكُمْ وَقَالَ قَتَادَةُ وَابْنُ إِسْحَاقَ قَابِلُونَ مِنْهُمْ عِنْدَ سَمَاعِ قَوْلِهِمْ

قَوْله تَعَالَى لقد ابتغوا الفتنة من قبل يعنى طلبوا الفتنة وهي هاهنا الِاخْتِلَافُ الْمُوجِبُ لِلْفُرْقَةِ بَعْدَ الْأُلْفَةِ وقَوْله تَعَالَى وقلبوا لك الأمور يَعْنِي بِهِ تَصْرِيفُ الْأُمُورِ وَتَقْلِيبُهَا ظَهْرًا لِبَطْنٍ طَلَبًا لِوَجْهِ الْحِيلَةِ وَالْمَكِيدَةِ فِي إطْفَاءِ نُورِهِ وَإِبْطَالِ أَمْرِهِ فَأَبَى اللَّه تَعَالَى إلَّا إظْهَارَ دِينِهِ وَإِعْزَازَ نَبِيِّهِ وَعَصَمَهُ مِنْ كَيَدِهِمْ وَحِيَلِهِمْ

قَوْله تَعَالَى وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي ولا تفتنى قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ نَزَلَتْ فِي الْجَدِّ بْنِ قَيْسٍ قَالَ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي بِبَنَاتِ بَنِي الْأَصْفَرِ فَإِنِّي مُسْتَهْتِرٌ بِالنِّسَاءِ وَكَانَ ذَلِكَ حِينَ دَعَاهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وآله وسلم إلى غزوة تَبُوكَ وَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَأَبُو عُبَيْدَةَ لَا تؤثمنى بالعصيان

<<  <  ج: ص:  >  >>