الثَّلَاثَةِ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الدِّيَةَ لَمَّا كَانَتْ قِيمَةَ النَّفْسِ كَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا تَكُونَ إلَّا مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ كَقِيَمِ سَائِرِ الْمُتْلَفَاتِ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا جَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِيمَتَهَا مِنْ الْإِبِلِ اتَّبَعَ الْأَثَرَ فِيهَا وَلَمْ يُوجِبْهَا مِنْ غَيْرِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
بَابُ دِيَاتِ أَهْلِ الْكُفْرِ
قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدُ وَزَفَرُ وَعُثْمَانُ الْبَتِّيُّ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ دِيَةُ الْكَافِرِ مِثْلُ دية المسلم واليهودي وَالنَّصْرَانِيِّ وَالْمَجُوسِيِّ وَالْمُعَاهَدِ وَالذِّمِّيِّ سَوَاءٌ وَقَالَ مَالِكُ بن أنس دية أهل الكتاب على دية المسلم ودية المجوسي ثمان مائة دِرْهَمٍ وَدِيَاتُ نِسَائِهِمْ عَلَى النِّصْفِ مِنْ ذَلِكَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ دِيَةُ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ ثُلُثُ الدِّيَةِ ودية المجوسي ثمان مائة وَالْمَرْأَةُ عَلَى النِّصْفِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الدَّلِيلُ عَلَى مُسَاوَاتِهِمْ الْمُسْلِمِينَ فِي الدِّيَاتِ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا- إلَى قَوْلِهِ- وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ وَالدِّيَةُ اسْمٌ لَمِقْدَارٍ مَعْلُومٍ مِنْ الْمَالِ بَدَلًا مِنْ نَفْسِ الْحُرِّ لِأَنَّ الدِّيَاتِ قَدْ كَانَتْ مُتَعَالِمَةً مَعْرُوفَةً بَيْنَهُمْ قَبْلَ الْإِسْلَامِ وَبَعْدَهُ فَرَجَعَ الْكَلَامُ إلَيْهَا فِي قَوْلِهِ فِي قَتْلِ الْمُؤْمِنِ خَطَأً ثُمَّ لَمَّا عَطَفَ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ كانت هذه الدِّيَةُ الْمَذْكُورَةُ بَدِيًّا إذْ لَوْ لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ لَمَا كَانَتْ دِيَةً لِأَنَّ الدِّيَةَ اسْمٌ لِمِقْدَارٍ مَعْلُومٍ مِنْ بَدَلِ النَّفْسِ لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ وَقَدْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ يَعْرِفُونَ مَقَادِيرَ الدِّيَاتِ وَلَمْ يَكُونُوا يَعْرِفُونَ الْفَرْقَ بَيْنَ دِيَةِ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ الدِّيَةُ الْمَذْكُورَةُ لِلْكَافِرِ هِيَ الَّتِي ذُكِرَتْ لِلْمُسْلِمِ وَأَنْ يَكُونَ قَوْله تَعَالَى فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ رَاجِعًا إلَيْهَا كَمَا عَقَلَ مِنْ دِيَةِ الْمُسْلِمِ أَنَّهَا الْمُعْتَادُ الْمُتَعَارَفُ عِنْدَهُمْ وَلَوْلَا أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ لَكَانَ اللَّفْظُ مُجْمَلًا مُفْتَقِرًا إلَى الْبَيَانِ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَإِنْ قِيلَ فَقَوْلُهُ تَعَالَى فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا مِثْلُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ كَمَا أَنَّ دِيَةَ الْمَرْأَةِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ وَلَا يُخْرِجُهَا ذَلِكَ مِنْ أَنْ تَكُونَ دِيَةً كَامِلَةً لَهَا قِيلَ لَهُ هَذَا غَلَطٌ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا ذَكَرَ الرَّجُلَ فِي الْآيَةِ فَقَالَ وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً ثُمَّ قَالَ وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ فَكَمَا اقْتَضَى فِيمَا ذَكَرَهُ لِلْمُسْلِمِ كَمَالَ الدِّيَةِ كَذَلِكَ دِيَةُ الْمُعَاهَدِ لِتَسَاوِيهِمَا فِي اللَّفْظِ مَعَ وُجُودِ التَّعَارُفِ عِنْدَهُمْ فِي مِقْدَارِ الدِّيَةِ وَالْوَجْهُ الْآخَرُ أَنَّ دِيَةَ الْمَرْأَةِ لَا يُطْلَقُ عَلَيْهَا اسم الدية
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute