وَإِنَّمَا يَتَنَاوَلُهَا الِاسْمُ مُقَيَّدًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقَالُ دِيَةُ الْمَرْأَةِ نِصْفُ الدِّيَةِ وَإِطْلَاقُ اسْمِ الدِّيَةِ إنَّمَا يَقَعُ عَلَى الْمُتَعَارَفِ الْمُعْتَادِ وَهُوَ كَمَالُهَا فَإِنْ قِيلَ قَوْله تَعَالَى وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ وَإِنْ كَانَ الْمَقْتُولُ الْمُؤْمِنُ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَاكْتَفَى بِذِكْرِ الْإِيمَانِ لِلْقَتِيلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ عَنْ إعَادَتِهِ فِي الْقَتِيلِ الثَّالِثِ قِيلَ لَهُ هَذَا غَلَطٌ مِنْ وُجُوهٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْخِطَابِ ذِكْرُ الْقَتِيلِ الْمُؤْمِنِ خَطَأً وَحُكْمُهُ وَذَلِكَ عُمُومٌ يَقْتَضِي سَائِرَ الْمُؤْمِنِينَ إلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ فَغَيْرُ جَائِزٍ إعَادَةُ ذِكْرِ الْمُؤْمِنِ بِذَلِكَ الْحُكْمِ فِي سِيَاقِ الْآيَةِ مَعَ شُمُولِ أَوَّلِ الْآيَةِ لَهُ وَلِغَيْرِهِ فَعَلِمْنَا أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ الْمُؤْمِنَ مِمَّنْ كَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَالثَّانِي لما يُقَيِّدْهُ بِذِكْرِ الْإِيمَانِ وَجَبَ إجْرَاؤُهُ فِي الْجَمِيعِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْكُفَّارِ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَغَيْرُ جَائِزٍ تَخْصِيصُهُ بِالْمُؤْمِنِينَ دُونَ الْكَافِرِينَ بِغَيْرِ دَلَالَةٍ وَالثَّالِثُ أَنَّ إطْلَاقَ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ مِنْ الْمُعَاهَدِينَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مُعَاهَدًا مِثْلَهُمْ أَلَا تَرَى أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ إنَّ هَذَا الرَّجُلَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ يُفِيدُ أَنَّهُ ذِمِّيٌّ مِثْلُهُمْ وَظَاهِرُ قَوْله تَعَالَى وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ مُعَاهَدًا مِثْلَهُمْ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَمَّا أَرَادَ بَيَانَ حُكْمِ الْمُؤْمِنِ إذَا كَانَ مِنْ ذَوِي أَنْسَابِ الْمُشْرِكِينَ قَالَ فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَقَيَّدَهُ بِذِكْرِ الْإِيمَانِ لِأَنَّهُ لَوْ أَطْلَقَهُ لَكَانَ المفهوم منه كَافِرٌ مِثْلُهُمْ وَالرَّابِعُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ كَمَا قَالَ هَذَا الْقَائِلُ لَمَا كَانَتْ الدِّيَةُ مُسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ لِأَنَّ أَهْلَهُ كُفَّارٌ لَا يَرِثُونَهُ فَهَذِهِ الْوُجُوهُ كُلُّهَا تَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ وَفَسَادَ هَذَا التَّأْوِيلِ وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِ أَصْحَابِنَا أَيْضًا
مَا رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قال لما نزلت فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ الْآيَةَ قَالَ كَانَ إذَا قَتَلَ بَنُو النَّضِيرِ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ قَتِيلًا أَدُّوا نِصْفَ الدِّيَةِ وَإِذَا قَتَلَ بَنُو قُرَيْظَةَ مِنْ بَنِي النَّضِيرِ أَدُّوا الدِّيَةَ إلَيْهِمْ قَالَ فَسَوَّى رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُمْ فِي الدِّيَةِ
قَالَ أَبُو بَكْرٍ لَمَّا قَالَ أَدُّوا الدِّيَةَ ثُمَّ قَالَ سَوَّى بَيْنَهُمْ فِي الدِّيَةِ دَلَّ ذلك على أنه راجع إلى الدية المعبودة الْمَبْدُوءِ بِذِكْرِهَا لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ رَدَّ بَنِي النَّضِيرِ إلَى نِصْفِهَا لَقَالَ سَوَّى بَيْنَهُمْ فِي نصف الدية ولم يقل سوى بينهم الدِّيَةِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا
قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّفْسِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ
وَهُوَ عَامٌّ فِي الْكَافِرِ وَالْمُسْلِمِ
وَرَوَى مِقْسَمٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَى الْعَامِرِيَّيْنِ وَكَانَا مُشْرِكَيْنِ دِيَةَ الْحُرَّيْنِ الْمُسْلِمَيْنِ
وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدُوسٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ قَالَ حَدَّثَنَا أبو بكر قال سمعت نافعا عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ وَدَى ذِمِّيًّا دِيَةَ مُسْلِمٍ
وَهَذَانِ الْخَبَرَانِ يُوجِبَانِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute