ضَرْبَةً كُلُّهَا تُبْضِعُ اللَّحْمَ وَتَحْدُرُ الدَّمَ فَهَذَا مِنْ ضَرْبِ التَّعْزِيرِ وَرَوَى شُعْبَةُ عَنْ وَاصِلٍ عَنْ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْد قَالَ أُتِيَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِامْرَأَةٍ زَنَتْ فَقَالَ أَفْسَدَتْ حَسَبَهَا اضْرِبُوهَا وَلَا تُحْرِقُوا عَلَيْهَا جِلْدَهَا فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَرَى ضَرْبَ الزَّانِي أَخَفَّ مِنْ التَّعْزِيرِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ قَدْ دَلَّ قَوْلُهُ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ عَلَى شِدَّةِ ضَرْبِ الزَّانِي عَلَى مَا بَيَّنَّا وَأَنَّهُ أَشَدُّ مِنْ ضَرْبِ الشَّارِبِ وَالْقَاذِفِ لِدَلَالَةِ الْآيَةِ عَلَى شِدَّةِ الضَّرْبِ فِيهِ وَلِأَنَّ ضَرْبَ الشَّارِبِ كَانَ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْجَرِيدِ وَالنِّعَالِ وَضَرْبُ الزَّانِي إنَّمَا يَكُونُ بِالسَّوْطِ وَهَذَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ ضَرْبُ الزَّانِي أَشَدَّ مِنْ ضَرْبِ الشَّارِبِ وَإِنَّمَا جَعَلُوا ضَرْبَ الْقَاذِفِ أَخَفَّ الضَّرْبِ لِأَنَّ الْقَاذِفَ جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ صَادِقًا فِي قَذْفِهِ وَأَنَّ لَهُ شُهُودًا عَلَى ذَلِكَ وَالشُّهُودُ مَنْدُوبُونَ إلَى السَّتْرِ عَلَى الزَّانِي فَإِنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ لِقُعُودِ الشُّهُودِ عَنْ الشَّهَادَةِ وَذَلِكَ يُوجِبُ تَخْفِيفَ الضَّرْبِ. وَمِنْ جِهَةٍ أُخْرَى أَنَّ الْقَاذِفَ قَدْ غُلِّظَتْ عَلَيْهِ الْعُقُوبَةُ فِي إبْطَالِ شَهَادَتِهِ فَغَيْرُ جَائِزٍ التَّغْلِيظُ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ شِدَّةِ الضَّرْبِ. فَإِنْ قِيلَ رَوَى سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ قَالَ سَمِعْت سَعْدَ بْنَ إبْرَاهِيمَ يَقُولُ لِلزُّهْرِيِّ إنَّ أَهْلَ الْعِرَاقِ يَقُولُونَ إنَّ الْقَاذِفَ لَا يُضْرَبُ ضَرْبًا شَدِيدًا وَلَقَدْ حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّ أُمَّهُ أُمَّ كُلْثُومٍ أَمَرَتْ بِشَاةٍ فَسُلِخَتْ حِينَ جُلِدَ أَبُو بَكْرَةَ فَأَلْبَسَتْهُ مَسْكَهَا فَهَلْ كَانَ ذَلِكَ إلَّا مِنْ ضَرْبٍ شَدِيدٍ. قِيلَ لَهُ هَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى شِدَّةِ الضَّرْبِ لِأَنَّهُ جَائِزٌ أَنْ يُؤَثِّرَ فِي الْبَدَنِ الضَّرْبُ الْخَفِيفُ عَلَى حَسَبِ مَا يُصَادِفُ مِنْ رِقَّةِ الْبَشَرَةِ فَفَعَلَتْ ذَلِكَ إشْفَاقًا عَلَيْهِ.
بَابُ مَا يُضْرَبُ مِنْ أَعْضَاءِ الْمَحْدُودِ
قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ ولم يذكر ما يضرب منه ظاهره يَقْتَضِي جَوَازَ ضَرْبِ جَمِيعِ الْأَعْضَاءِ وَقَدْ اخْتَلَفَ السَّلَفُ وَفُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ فِيهِ
فَرَوَى ابْنُ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ الْمُهَاجِرِ بْنِ عَمِيرَةَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ أُتِيَ بِرَجُلٍ سَكْرَانَ أَوْ فِي حَدٍّ فَقَالَ اضْرِبْ وَأَعْطِ كُلَّ عُضْوٍ حَقَّهُ وَاتَّقِ الْوَجْهَ وَالْمَذَاكِيرَ
وَرَوَى سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي عَامِرٍ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ مُهَاجِرِ بْنِ عَمِيرَةَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ اجْتَنِبْ رَأْسَهُ وَمَذَاكِيرَهُ وَأَعْطِ كُلَّ عُضْوٍ حَقَّهُ
فَذَكَرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الرَّأْسَ وَفِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ الْوَجْهَ وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ قَدْ اسْتَثْنَاهُمَا جَمِيعًا وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ أَمَرَ بِالضَّرْبِ فِي حَدٍّ فَقَالَ أَعْطِ كُلَّ عُضْوٍ حَقَّهُ وَلَمْ يَسْتَثْنِ شَيْئًا وَرَوَى المسعودي عن
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute