فِي الْمُخَالَفَةِ الَّتِي تُوجِبُ الْفُرْقَةَ
قَوْله تَعَالَى قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلا مَا كَتَبَ اللَّهُ لنا هو مولانا رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ كُلُّ مَا يُصِيبُنَا مِنْ خير وشر فهو مما كتبه فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ فَلَيْسَ عَلَى مَا يَتَوَهَّمُهُ الْكُفَّارُ مِنْ إهْمَالِنَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَرْجِعَ أَمْرُنَا إلَى تَدْبِيرِ رَبِّنَا وَقِيلَ لَنْ يُصِيبَنَا فِي عَاقِبَةِ أَمْرِنَا إلَّا مَا كَتَبَ اللَّه لَنَا مِنْ النَّصْرِ الَّذِي وَعَدَنَا
قَوْله تَعَالَى قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَنْ يُتَقَبَّلَ منكم صيغته الأمر والمراد البيان عن التمكن مِنْ الطَّاعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ كَقَوْلِهِ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ ومن شاء فليكفر وَقِيلَ مَعْنَاهُ الْخَبَرُ الَّذِي يَدْخُلُ فِيهِ إنْ الجزاء كما قال كثير:
أسيء بِنَا أَوْ أَحْسِنِي لَا مَلُومَةً لَدَيْنَا وَلَا مَقْلِيَّةً إنْ تَقَلَّتْ وَمَعْنَاهُ إنْ أَحْسَنْت أَوْ أسأت لم تلام
قَوْله تَعَالَى فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدنيا قِيلَ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ فَلَا تُعْجِبْك أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا إنَّمَا يُرِيدُ اللَّه لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْآخِرَةِ فَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَهُمَا عَلَى تَقْدِيمِ الْكَلَامِ وَتَأْخِيرِهِ وَقَالَ الْحَسَنُ لِيُعَذِّبَهُمْ فِي الزَّكَاةِ بِالْإِنْفَاقِ فِي سَبِيلِ اللَّه وَقَالَ آخَرُونَ يُعَذِّبُهُمْ بِهَا بِالْمَصَائِبِ وَقِيلَ قَدْ يَكُونُ صِفَةُ الْكُفَّارِ بِالسَّبْيِ وَغَنِيمَةِ الْأَمْوَالِ وَهَذِهِ اللَّامُ الَّتِي فِي قوله ليعذبهم هِيَ لَامُ الْعَاقِبَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا
قوله تعالى ويحلفون بالله إنهم لمنكم الْحَلْفُ تَأْكِيدُ الْخَبَرِ بِذِكْرِ الْمُعَظَّمِ عَلَى مِنْهَاجٍ واللَّه وباللَّه والحروف الموضوعة للقسم وَالْيَمِينُ إلَّا أَنَّ الْحَلِفَ مِنْ إضَافَةِ الْخَبَرِ إلى المعظم وقوله ويحلفون بالله إخبار عنهم باليمين بالله هو يمين بمنزلة لو حذف عَنْ الْمُسْتَقْبَلِ فِي أَنَّهُمْ سَيَحْلِفُونَ بِاَللَّهِ وَقَوْلُ الْقَائِلِ أَحَلِفُ بِاَللَّهِ هُوَ يَمِينٌ بِمَنْزِلَتِهِ لَوْ حَذَفَ ذِكْرَ الْحَلِفِ وَقَالَ بِاَللَّهِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ أَنَا حَالِفٌ بِاَللَّهِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْعِدَّةَ فَلَا يَكُونُ يَمِينًا فَهُوَ يَنْصَرِفُ عَلَى الْمَعْنَى وَالظَّاهِرُ مِنْهُ إيقَاعُ الْحَلِفِ بِهَذَا الْقَوْلِ كَقَوْلِك أَنَا أَعْتَقِدُ الْإِسْلَامَ وَيَحْتَمِلُ الْعِدَّةَ وَأَمَّا قَوْلُهُ باللَّه فَهُوَ إيقَاعٌ لِلْيَمِينِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ إضْمَارُ أَحْلِفُ بِاَللَّهِ أَوْ قَدْ حَلَفْت بِاَللَّهِ وَقِيلَ إنَّمَا حَذَفَ ذِكْرَ الْحَلِفِ ليدل على وقع الْحَلِفِ وَيَزُولَ احْتِمَالُ الْعِدَّةِ كَمَا حَذَفَ فِي والله لأفعلن ليدل على أن القائل حلف لا وأعد وقوله تعالى إنهم لمنكم مَعْنَاهُ فِي الْإِيمَانِ وَالطَّاعَةِ وَالدِّينِ وَالْمِلَّةِ فَأَكْذَبَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى وَالْإِضَافَةُ مِنْهُمْ جَائِزَةٌ إذَا كَانَ عَلَى دِينِهِمْ كَمَا قَالَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أولياء بعض- والمنافقون والمنافقات
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute