فَلَمَّا خَاطَبَ الرِّجَالَ بِذَلِكَ دُونَهُنَّ عُلِمَ أَنَّهُ أراد ارتياب المخاطبين في العدة وقوله تعالى وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ يَعْنِي وَاَللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ عِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ لِأَنَّهُ كَلَامٌ لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ ضَمِيرٍ وَضَمِيرُهُ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مُظْهَرًا وَهُوَ الْعِدَّةُ بِالشُّهُورِ.
بَابُ عِدَّةِ الْحَامِلِ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ قَالَ أَبُو بَكْرٍ لَمْ يَخْتَلِفْ السَّلَفُ وَالْخَلَفُ بَعْدَهُمْ أَنَّ عِدَّةَ الْمُطَلَّقَةِ الْحَامِلِ أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا وَاخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي عِدَّةِ الْحَامِلِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا
فَقَالَ عَلِيٌّ وَابْنُ عَبَّاسٍ تَعْتَدُّ الْحَامِلُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا آخِرَ الْأَجَلَيْنِ
وَقَالَ عمر وَابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عُمَرَ وَأَبُو مَسْعُودٍ الْبَدْرِيُّ وَأَبُو هُرَيْرَةَ عِدَّتُهَا الْحَمْلُ فَإِذَا وَضَعَتْ حَلَّتْ لِلْأَزْوَاجِ وَهُوَ قَوْلُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَوَى إبْرَاهِيمُ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ ابْنِ مسعود قال من شاء لا عنته ما نزلت وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ إلَّا بَعْدَ آيَةِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ قَدْ تَضَمَّنَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ هَذَا مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا إثْبَاتُ تَارِيخِ نُزُولِ الْآيَةِ وَأَنَّهَا نَزَلَتْ بَعْدَ ذِكْرِ الشُّهُورِ لِلْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا وَالثَّانِي أَنَّ الْآيَةَ مُكْتَفِيَةٌ بِنَفْسِهَا فِي إفَادَةِ الْحُكْمِ عَلَى عُمُومِهَا غَيْرُ مُضَمَّنَةٍ بِمَا قَبْلَهَا مِنْ ذِكْرِ الْمُطَلَّقَةِ فَوَجَبَ اعْتِبَارُ الْحَمْلِ فِي الْجَمِيعِ مِنْ الْمُطَلَّقَاتِ وَالْمُتَوَفَّى عَنْهُنَّ أَزْوَاجُهُنَّ وَأَنْ لَا يُجْعَلَ الْحُكْمُ مَقْصُورًا عَلَى الْمُطَلَّقَاتِ لِأَنَّهُ تَخْصِيصُ عُمُومٍ بِلَا دَلَالَةٍ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا دَاخِلَةٌ فِي الْآيَةِ مُرَادَةٌ بِهَا اتِّفَاقُ الْجَمِيعِ عَلَى أَنَّ مُضِيَّ شُهُورِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا لَا يُوجِبُ انْقِضَاءَ عِدَّتِهَا دُونَ وَضْعِ الْحَمْلِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا مُرَادَةٌ بِهَا فَوَجَبَ اعْتِبَارُ الْحَمْلِ فِيهَا دُونَ غَيْرِهِ وَلَوْ جَازَ اعْتِبَارُ الشُّهُورِ لِأَنَّهَا مَذْكُورَةٌ فِي آيَةٍ أُخْرَى لَجَازَ اعْتِبَارُ الْحَيْضِ مَعَ الْحَمْلِ فِي الْمُطَلَّقَةِ لِأَنَّهَا مَذْكُورَةٌ فِي قَوْله تَعَالَى وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ
وَفِي سُقُوطِ اعْتِبَارِ الْحَيْضِ مَعَ الْحَمْلِ دَلِيلٌ عَلَى سُقُوطِ اعْتِبَارِ الشُّهُورِ مَعَ الْحَمْلِ
وَقَدْ رَوَى مَنْصُورٌ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ أَبِي السَّنَابِلِ بْنِ بِعَكَكٍ أَنَّ سُبَيْعَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ وَضَعَتْ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِثَلَاثَةٍ وَعِشْرِينَ فتشوفت لِلنِّكَاحِ فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إنْ تَفْعَلْ فَقَدْ خَلَا أَجَلُهَا
وَرَوَى يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ اخْتَلَفَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ فِي ذَلِكَ فَأَرْسَلَ ابْنُ عَبَّاسٍ كُرَيْبًا إلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَقَالَتْ إنَّ سبيعة وَضَعَتْ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِأَيَّامٍ فَأَمَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ تَتَزَوَّجَ
وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute