للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَدَلَالَةُ الْخِطَابِ عَلَيْهِ وَهَذَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ حَمْلُهُ عَلَى الْبَغْيِ وَالْعُدْوَانِ فِي الْأَكْلِ أَوْلَى مِنْهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ لِلْمُسْلِمِينَ فِي الْآيَةِ ذِكْرٌ لَا مَحْذُوفًا وَلَا مَذْكُورًا كَحَذْفِ الْأَكْلِ فَحَمْلُهُ عَلَى مَا فِي مُقْتَضَى الْآيَةِ بِأَنْ يَكُونَ حَالًا لَهُ فِيهِ وَصِفَةً أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى مَعْنًى لَمْ يَتَضَمَّنْهُ اللَّفْظُ لَا مَحْذُوفًا وَلَا مَذْكُورًا وَأَمَّا قوله [إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ] فَلَا ضَمِيرَ فِيهِ وَلَا حَذْفَ لِأَنَّهُ لَفْظٌ مُسْتَغْنٍ بِنَفْسِهِ إذْ هُوَ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ جُمْلَةٍ مَفْهُومَةِ الْمَعْنَى وَهُوَ التَّحْرِيمُ بِقَوْلِهِ [وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ] فَإِنَّهُ مُبَاحٌ لَكُمْ وَهَذَا اللَّفْظُ مُسْتَغْنٍ عَنْ الضمير ومعنى الضرورة هاهنا هُوَ خَوْفُ الضَّرَرِ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ بَعْضِ أَعْضَائِهِ بِتَرْكِهِ الْأَكْلَ وَقَدْ انْطَوَى تَحْتَهُ مَعْنَيَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَحْصُلَ فِي مَوْضِعٍ لَا يَجِدُ غَيْرَ الْمَيْتَةِ وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ غَيْرُهَا مَوْجُودًا وَلَكِنَّهُ أُكْرِهَ عَلَى أَكْلِهَا بِوَعِيدٍ يَخَافُ مِنْهُ تَلَفَ نَفْسِهِ أَوْ تَلَفَ بَعْضِ أَعْضَائِهِ وَكِلَا الْمَعْنَيَيْنِ مُرَادٌ بِالْآيَةِ عِنْدَنَا لِاحْتِمَالِهِمَا وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ تَأَوَّلَهَا عَلَى ضَرُورَةِ الْإِكْرَاهِ ولأنه إذَا كَانَ الْمَعْنَى فِي ضَرُورَةِ الْمَيْتَةِ مَا يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ الضَّرَرِ فِي تَرْكِ تَنَاوُلِهِ وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي ضَرُورَةِ الْإِكْرَاهِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ حُكْمَهُ وَلِذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُنَا فِيمَنْ أُكْرِهَ عَلَى أَكْلِ الْمَيْتَةِ فَلَمْ يَأْكُلْهَا حَتَّى قُتِلَ كَانَ عَاصِيًا لِلَّهِ كَمَنْ اُضْطُرَّ إلَى مَيْتَةٍ بِأَنْ عَدِمَ غَيْرَهَا مِنْ الْمَأْكُولَاتِ فَلَمْ يَأْكُلْ حَتَّى مَاتَ كَانَ عَاصِيًا كَمَنْ تَرَكَ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ وَهُوَ وَاجِدُهُمَا حَتَّى مَاتَ فَيَمُوتُ عَاصِيًا لِلَّهِ بِتَرْكِهِ الْأَكْلَ لِأَنَّ أَكْلَ الْمَيْتَةِ مُبَاحٌ فِي حَالِ الضَّرُورَةِ كَسَائِرِ الْأَطْعِمَةِ فِي غَيْرِ حَالِ الضَّرُورَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

بَابُ الْمُضْطَرِّ إلَى شُرْبِ الْخَمْرِ

قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي الْمُضْطَرِّ إلَى شُرْبِ الْخَمْرِ فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ الْمُطِيعُ الْمُضْطَرُّ إلَى شُرَبِ الْخَمْرِ يَشْرَبُهَا وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا جَمِيعًا وَإِنَّمَا يَشْرَبُ مِنْهَا مِقْدَارَ مَا يُمْسِكُ بِهِ رَمَقَهُ إذْ كَانَ يَرُدُّ عَطَشَهُ وَقَالَ الْحَارِثُ الْعُكْلِيُّ وَمَكْحُولٌ لَا يَشْرَبُ لِأَنَّهَا لَا تَزِيدُهُ إلَّا عَطَشًا وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَشْرَبُ لِأَنَّهَا لَا تَزِيدُهُ إلَّا عَطَشًا وَجُوعًا وَقَالَ الشافعى ولأنها تذهب بالعقل وقال مَالِكٌ إنَّمَا ذُكِرَتْ الضَّرُورَةُ فِي الْمَيْتَةِ وَلَمْ تُذْكَرْ فِي الْخَمْرِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ إنَّهَا لَا تُزِيلُ ضَرُورَةَ الْعَطَشِ وَالْجُوعِ لَا مَعْنَى لَهُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مَعْلُومٌ مِنْ حَالِهَا أَنَّهَا تُمْسِكُ الرَّمَقَ عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَتُزِيلُ الْعَطَشَ وَمِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فِيمَا بَلَغَنَا مَنْ لَا يَشْرَبُ الْمَاءَ دَهْرًا اكْتِفَاءً بِشُرْبِ الْخَمْرِ عَنْهُ فَقَوْلُهُمْ فِي ذَلِكَ غَيْرُ الْمَعْقُولِ

<<  <  ج: ص:  >  >>