فِيهِ إخْبَارٌ بِأَنَّ اسْتِغْفَارَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُمْ لَا يُوجِبُ لَهُمْ الْمَغْفِرَةَ ثُمَّ قَالَ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فلن يغفر الله لهم ذَكَرَ السَّبْعِينَ عَلَى وَجْهِ الْمُبَالَغَةِ فِي الْيَأْسِ مِنْ الْمَغْفِرَةِ وَقَدْ رُوِيَ فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَالَ لَأَزِيدَنَّ عَلَى السَّبْعِينَ وَهَذَا خَطَأٌ مِنْ رَاوِيهِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ فَلَمْ يكن النبي صلّى الله عليه وسلّم ليسئل اللَّهَ مَغْفِرَةَ الْكُفَّارِ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ لَا يَغْفِرُ لَهُمْ وَإِنَّمَا الرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ فِيهِ مَا
رُوِيَ أَنَّهُ قَالَ لَوْ عَلِمْت أَنِّي لَوْ زِدْت عَلَى السَّبْعِينَ غُفِرَ لَهُمْ لَزِدْت عَلَيْهَا
وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَغْفَرَ لِقَوْمٍ مِنْهُمْ عَلَى ظَاهِرِ إسْلَامِهِمْ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ مِنْهُ بِنِفَاقِهِمْ فَكَانُوا إذَا مَاتَ الميت منهم يسئلون رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدُّعَاءَ وَالِاسْتِغْفَارَ لَهُ فَكَانَ يَسْتَغْفِرُ لَهُمْ عَلَى أَنَّهُمْ مُسْلِمُونَ فَأَعْلَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُمْ مَاتُوا مُنَافِقِينَ وَأَخْبَرَ مَعَ ذَلِكَ أَنَّ اسْتِغْفَارَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُمْ لَا يَنْفَعُهُمْ
قَوْله تَعَالَى وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أبدا ولا تقم على قبره فِيهِ الدَّلَالَةُ عَلَى مَعَانٍ أَحَدُهَا فِعْلُ الصَّلَاةِ عَلَى مَوْتَى الْمُسْلِمِينَ وَحَظْرُهَا عَلَى مَوْتَى الْكُفَّارِ وَيَدُلُّ أَيْضًا عَلَى الْقِيَامِ عَلَى الْقَبْرِ إلَى أَنْ يُدْفَنَ وَعَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ كَانَ يَفْعَلُهُ
وَقَدْ رَوَى وَكِيعٌ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ عُمَيْرِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ عَلِيًّا قَامَ عَلَى قَبْرٍ حَتَّى دُفِنَ
وَرَوَى سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي قَيْسٍ قَالَ شَهِدْت عَلْقَمَةَ قَامَ عَلَى قَبْرٍ حَتَّى دُفِنَ وَرَوَى جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ كَانَ إذَا مَاتَ لَهُ مَيِّتٌ لَمْ يَزَلْ قَائِمًا حَتَّى نَدْفِنَهُ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ السُّنَّةَ لِمَنْ حَضَرَ عِنْدَ الْقَبْرِ أَنْ يَقُومَ عَلَيْهِ حَتَّى يُدْفَنَ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَسْتَدِلُّ بِذَلِكَ عَلَى جَوَازِ الصَّلَاةِ عَلَى الْقَبْرِ وَجَعَلَ قَوْلَهُ وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ قِيَامَ الصَّلَاةِ عَلَى الْقَبْرِ وَهَذَا خَطَأٌ مِنْ التَّأْوِيلِ لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ وَلا تُصَلِّ عَلَى أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره فَنَهَى عَنْ الْقِيَامِ عَلَى الْقَبْرِ كَنَهْيِهِ عَنْ الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ عَطْفًا عَلَيْهِ فَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ الْمَعْطُوفُ هُوَ الْمَعْطُوفَ عَلَيْهِ بِعَيْنِهِ وَأَيْضًا فَإِنَّ الْقِيَامَ لَيْسَ هُوَ عِبَارَةً عَنْ الصَّلَاةِ وَإِنَّمَا يُرِيدُ هَذَا الْقَائِلُ أَنْ يَجْعَلَهُ كِنَايَةً عَنْهَا وَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ تُذْكَرَ الصَّلَاةُ بِصَرِيحِ اسْمِهَا ثُمَّ يُعْطَفُ عَلَيْهَا الْقِيَامُ فَيَجْعَلُهُ كِنَايَةً عَنْهَا فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ الْقِيَامَ عَلَى الْقَبْرِ غَيْرُ الصَّلَاةِ وَأَيْضًا
رَوَى الزُّهْرِيُّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الله عن ابن عَبَّاسٍ قَالَ سَمِعْت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ لَمَّا تُوُفِّيَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ جَاءَ ابْنُهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ هَذَا أَبِي يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ وَضَعْنَاهُ عَلَى شَفِيرِ قَبْرِهِ فَقُمْ فَصَلِّ عَلَيْهِ فَوَثَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَثَبْت مَعَهُ فَلَمَّا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَامَ النَّاسُ خَلْفَهُ تَحَوَّلْت وَقُمْت فِي صَدْرِهِ وَقُلْت يَا رَسُولَ الله
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute