بعضهم من بعض
فَنَسَبَ بَعْضَهُمْ إلَى بَعْضٍ لِاتِّفَاقِهِمْ فِي الدِّينِ وَالْمِلَّةِ
قَوْله تَعَالَى وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصدقات قَالَ الْحَسَنُ يَعِيبُكَ وَقِيلَ اللَّمْزُ الْعَيْبُ سِرًّا والهمز العيب بكثرة العيب وَقَالَ قَتَادَةُ يَطْعَنُ عَلَيْك وَيُقَالُ إنَّ هَؤُلَاءِ كَانُوا قَوْمًا مُنَافِقِينَ أَرَادُوا أَنْ يُعْطِيَهُمْ رَسُولُ اللَّه مِنْ الصَّدَقَاتِ وَلَمْ يَكُنْ جَائِزًا أَنْ يُعْطِيَهُمْ مِنْهَا لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِهَا فَطَعَنُوا على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ فِي قِسْمَةِ الصَّدَقَاتِ وَقَالُوا يُؤْثِرُ بِهَا أَقْرِبَاءَهُ وَأَهْلَ مَوَدَّتِهِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا منها إذا هم يسخطون وَأَخْبَرَ أَنَّهُ لَا حَظَّ لِهَؤُلَاءِ فِي الصَّدَقَاتِ وَإِنَّمَا هِيَ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَمَنْ ذُكِرَ
قَوْله تَعَالَى وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فضله ورسوله فِيهِ ضَمِيرُ جَوَابِ لَوْ تَقْدِيرُهُ وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمْ اللَّه وَرَسُولُهُ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ أَوْ أَعْوَدَ عَلَيْهِمْ وَحَذْفُ الْجَوَابِ فِي مِثْلِهِ أَبْلَغُ لِأَنَّهُ لِتَأْكِيدِ الْخَبَرِ بِهِ اسْتَغْنَى عَنْ ذِكْرِهِ مَعَ أَنَّ النَّفْسَ تَذْهَبُ إلَى كُلِّ نَوْعٍ مِنْهُ وَالذِّكْرُ يَقْصُرُهُ عَلَى الْمَذْكُورِ مِنْهُ دُونَ غَيْرِهِ وَفِيهِ إخْبَارٌ عَلَى أَنَّ الرِّضَا بِفِعْلِ اللَّهِ يُوجِبُ الْمَزِيدَ مِنْ الْخَيْرِ جزاء للراضى على فعله
قوله تعالى إنما الصدقات للفقراء والمساكين الآية قال الزهري الفقير الذي لا يسئل والمسكين الذي يسئل وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي حَدِّ الْفَقِيرِ وَالْمِسْكِينِ مِثْلَ هَذَا وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ رَأَى الْمِسْكِينَ أَضْعَفَ حَالًا وَأَبْلَغَ فِي جَهْدِ الْفَقْرِ وَالْعُدْمِ مِنْ الْفَقِيرِ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنِ وجابر ابن زَيْدٍ وَالزُّهْرِيِّ وَمُجَاهِدٍ قَالُوا الْفَقِيرُ الْمُتَعَفِّفُ الَّذِي لَا يَسْأَلُ وَالْمِسْكِينُ الَّذِي يَسْأَلُ فَكَانَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ مُوَافِقًا لِقَوْلِ هَؤُلَاءِ السَّلَفِ وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا قَوْله تَعَالَى لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بسيماهم لا يسئلون الناس إلحافا فَسَمَّاهُمْ فُقَرَاءَ وَوَصَفَهُمْ بِالتَّعَفُّفِ وَتَرْكِ الْمَسْأَلَةِ وَرُوِيَ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ الْفَقِيرُ ذُو الزَّمَانَةِ مِنْ أَهْلِ الْحَاجَةِ وَالْمِسْكِينُ الصَّحِيحُ مِنْهُمْ وَقِيلَ إنَّ الْفَقِيرَ هُوَ الْمِسْكِينُ إلَّا أَنَّهُ ذُكِرَ بِالصِّفَتَيْنِ لِتَأْكِيدِ أَمْرِهِ فِي اسْتِحْقَاقِ الصَّدَقَةِ وَكَانَ شَيْخُنَا أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ الْمِسْكِينُ هُوَ الَّذِي لَا شَيْءَ لَهُ وَالْفَقِيرُ هُوَ الذي له أدنى بلغة وبكى ذَلِكَ عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ ثَعْلَبٌ قَالَ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ حُكِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ قَالَ قُلْت لِأَعْرَابِيٍّ أَفَقِيرٌ أَنْتَ قَالَ لَا بَلْ مِسْكِينٌ وَأَنْشَدَ عَنْ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ:
أَمَّا الْفَقِيرُ الَّذِي كَانَتْ حَلُوبَتُهُ وَفْقَ الْعِيَالِ فَلَمْ يُتْرَكْ له سبد
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute