للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَاعْتِقَادِهِنَّ وَإِنَّمَا أَرَادَ مَا ظَهَرَ مِنْ إيمَانِهِنَّ بِالْقَوْلِ وَجَعَلَ ذَلِكَ عِلْمًا فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِالضَّمِيرِ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا وَإِنَّمَا الِاعْتِبَارُ بِمَا يَظْهَرُ مِنْ الْقَوْلِ وَقَالَ تَعَالَى وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً وَذَلِكَ عُمُومٌ فِي جَمِيعِ الْكُفَّارِ

وَقَالَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم لأسامة ابن زَيْدٍ حِينَ قَتَلَ الرَّجُلَ الَّذِي قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَقَالَ إنَّمَا قَالَهَا مُتَعَوِّذًا قَالَ هَلَّا شَقَقْت عَنْ قَلْبِهِ

وَرَوَى الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ أَنَّهُ أَتَى عَبْدَ اللَّهِ فَقَالَ مَا بَيْنِي وَبَيْنَ أَحَدٍ مِنْ الْعَرَبِ إحْنَةٌ وَإِنِّي مَرَرْت بِمَسْجِدِ بَنِي حَنِيفَةَ فَإِذَا هُمْ يُؤْمِنُونَ بِمُسَيْلِمَةَ فَأَرْسَلَ إلَيْهِمْ عَبْدُ اللَّهِ فَجَاءَ بِهِمْ وَاسْتَتَابَهُمْ غَيْرَ ابْنِ النَّوَّاحَةِ قَالَ لَهُ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَوْلَا أَنَّك رَسُولٌ لَضَرَبْت عُنُقَك فَأَنْتَ الْيَوْمَ لَسْت برسول أبن مَا كُنْت تُظْهِرُ مِنْ الْإِسْلَامِ قَالَ كُنْت أَتَّقِيكُمْ بِهِ فَأَمَرَ بِهِ قَرَظَةَ بْنِ كَعْبٍ فَضَرَبَ عُنُقَهُ بِالسُّوقِ ثُمَّ قَالَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْظُرَ إلَى ابْنِ النَّوَّاحَةِ قَتِيلًا بِالسُّوقِ

فَهَذَا مِمَّا يَحْتَجُّ بِهِ مَنْ لَمْ يَقْبَلْ تَوْبَةَ الزِّنْدِيقِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ اسْتَتَابَ الْقَوْمَ وَقَدْ كَانُوا مُظْهِرِينَ لِكُفْرِهِمْ وَأَمَّا ابْنُ النَّوَّاحَةِ فَلَمْ يَسْتَتِبْهُ لِأَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ كَانَ مُسِرًّا لِلْكُفْرِ مُظْهِرًا لِلْإِيمَانِ عَلَى وَجْهِ التَّقِيَّةِ وَقَدْ كَانَ قَتْلُهُ إيَّاهُ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ لِأَنَّ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ شَاوَرَ الصَّحَابَةَ فِيهِمْ وَرَوَى الزُّهْرِيُّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ أُخِذَ بِالْكُوفَةِ رِجَالٌ يُؤْمِنُونَ بِمُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ فَكَتَبَ فِيهِمْ إلَى عُثْمَانَ فَكَتَبَ عُثْمَانُ اعْرِضْ عَلَيْهِمْ دِينَ الْحَقِّ وَشَهَادَةَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وأن محمد رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمِنْ قَالَهَا وَتَبَرَّأَ مِنْ دِينِ مُسَيْلِمَةَ فَلَا تَقْتُلُوهُ وَمَنْ لَزِمَ دِينَ مُسَيْلِمَةَ فَاقْتُلْهُ فَقَبِلَهَا رِجَالٌ مِنْهُمْ وَلَزِمَ دِينَ مُسَيْلِمَةَ رِجَالٌ فَقُتِلُوا

قَوْله تَعَالَى بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قِيلَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ إنهم اتخذوهم أنصارا واعتضادا لِتَوَهُّمِهِمْ أَنَّ لَهُمْ الْقُوَّةَ وَالْمَنَعَةَ بِعَدَاوَتِهِمْ لِلْمُسْلِمِينَ بِالْمُخَالَفَةِ جَهْلًا مِنْهُمْ بِدِينِ اللَّهِ وَهَذَا مِنْ صِفَةِ الْمُنَافِقِينَ الْمَذْكُورِينَ فِي الْآيَةِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ لِلْمُؤْمِنِينَ الِاسْتِنْصَارُ بِالْكُفَّارِ عَلَى غَيْرِهِمْ مِنْ الْكُفَّارِ إذْ كَانُوا مَتَى غَلَبُوا كَانَ حُكْمُ الْكُفْرِ هُوَ الْغَالِبُ وَبِذَلِكَ قال أصحابنا وقوله أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الِاعْتِبَارِ وَأَنَّ الِاسْتِعَانَةَ بِالْكُفَّارِ لَا تَجُوزُ إذْ كَانُوا مَتَى غَلَبُوا كَانَ الْغَلَبَةُ وَالظُّهُورُ لَلْكُفَّارِ وَكَانَ حُكْمُ الْكُفْرِ هُوَ الْغَالِبُ فَإِنْ قِيلَ إذَا كَانَتْ الْآيَةُ فِي شَأْنِ الْمُنَافِقِينَ وَهُمْ كُفَّارٌ فَكَيْفَ يَجُوزُ الِاسْتِدْلَال بِهِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ قِيلَ لَهُ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ أَنَّ هَذَا الْفِعْلَ مَحْظُورٌ فَلَا يختلف

<<  <  ج: ص:  >  >>