عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ أَمَرَ بِاسْتِتَابَتِهِ ثَلَاثًا
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أَنَّهُ قَالَ مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ
وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ اسْتِتَابَتَهُ إلَّا أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَحْمُولًا عَلَى أَنَّهُ قَدْ اسْتَحَقَّ الْقَتْلَ وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ دُعَاءَهُ إلَى الْإِسْلَامِ وَالتَّوْبَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ الآية وقال تعالى قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي فَأَمَرَ بِالدُّعَاءِ إلَى دِينِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْمُرْتَدِّ وَبَيْنَ غَيْرِهِ فَظَاهِرُهُ يَقْتَضِي دُعَاءَ الْمُرْتَدِّ إلَى الْإِسْلَامِ كَدُعَاءِ سَائِرِ الْكُفَّارِ وَدُعَاؤُهُ إلَى الْإِسْلَامِ هُوَ الِاسْتِتَابَةُ وَقَالَ تَعَالَى قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ وَقَدْ تَضَمَّنَ ذَلِكَ الدُّعَاءَ إلَى الْإِيمَانِ وَيُحْتَجُّ بِذَلِكَ أَيْضًا فِي اسْتِتَابَةِ الزِّنْدِيقِ لِاقْتِضَاءِ عُمُومِ اللَّفْظِ لَهُ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا لَمْ يُفَرِّقْ فِيهِ بَيْنَ الزِّنْدِيقِ وَغَيْرِهِ فَظَاهِرُهُ يَقْتَضِي قَبُولَ إسْلَامِهِ فَإِنْ قِيلَ قَوْله تَعَالَى قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى زَوَالِ الْقَتْلِ عَنْهُ لِأَنَّا نَقُولُ هُوَ مَغْفُورٌ لَهُ ذُنُوبُهُ وَيَجِبُ مَعَ ذَلِكَ قَتْلُهُ كَمَا يُقْتَلُ الزَّانِي الْمُحْصَنُ وَإِنْ كَانَ تَائِبًا وَيُقْتَلُ قَاتِلُ النَّفْسِ مَعَ التَّوْبَةِ قِيلَ لَهُ قَوْله تَعَالَى إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ يقتضى غفران ذنوبه وقبول تَوْبَتَهُ لَوْ لَمْ تَكُنْ مَقْبُولَةً لَمَا كَانَتْ ذُنُوبُهُ مَغْفُورَةً وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ استنابته وَقَبُولِهَا مِنْهُ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَيْضًا فَإِنَّ قَتْلَ الْكَافِرِ إنَّمَا هُوَ مُسْتَحَقٌّ بِإِقَامَتِهِ عَلَى الْكُفْرِ فَإِذَا انْتَقَلَ عَنْهُ إلَى الْإِيمَانِ فَقَدْ زَالَ الْمَعْنَى الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ وَجَبَ قَتْلُهُ وَعَادَ إلَى حَظْرِ دَمِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُرْتَدَّ ظَاهِرًا مَتَى أَظْهَرَ الْإِسْلَامَ حُقِنَ دَمُهُ كَذَلِكَ الزِّنْدِيقُ
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْمُرْتَدِّ الَّذِي لَحِقَ بِمَكَّةَ وَكَتَبَ إلَى قَوْمِهِ سَلُوا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ لِي مِنْ تَوْبَةٍ فَأَنْزَلَ اللَّهُ كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ- إلَى قَوْله تَعَالَى- إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَكَتَبُوا بِهَا إلَيْهِ فَرَجَعَ فَأَسْلَمَ فَحَكَمَ لَهُ بِالتَّوْبَةِ
بِمَا ظَهَرَ مِنْ قَوْلِهِ فَوَجَبَ اسْتِعْمَالُ ذَلِكَ وَالْحُكْمُ لَهُ بِمَا يَظْهَرُ مِنْهُ دُونَ ما في قلبه وقول مَنْ قَالَ إنِّي لَا أَعْرِفُ تَوْبَتَهُ إذَا كَفَرَ سِرًّا فَإِنَّا لَا نُؤَاخَذُ بِاعْتِبَارِ حَقِيقَةِ اعْتِقَادِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا نَصِلُ إلَيْهِ وَقَدْ حَظَرَ اللَّهُ عَلَيْنَا الْحُكْمَ بِالظَّنِّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ
وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّهُ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ
وَقَالَ تَعَالَى وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ وَقَالَ إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ حَقِيقَةَ الْعِلْمِ بِضَمَائِرِهِنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute