للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دِينِهِ وقَوْله تَعَالَى إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً إلا أن تكون بينه وَبَيْنَهُ قَرَابَةٌ فَيَصِلَهُ لِذَلِكَ فَجَعَلَ التَّقِيَّةَ صِلَةً لِقَرَابَةِ الْكَافِرِ وَقَدْ اقْتَضَتْ الْآيَةُ جَوَازَ إظْهَارِ الْكُفْرِ عِنْدَ التَّقِيَّةِ وَهُوَ نَظِيرُ قَوْله تَعَالَى مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وَإِعْطَاءُ التَّقِيَّةِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ رُخْصَةٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ بَلْ تَرْكُ التَّقِيَّةِ أَفْضَلُ قَالَ أَصْحَابُنَا فِيمَنْ أُكْرِهَ عَلَى الْكُفْرِ فَلَمْ يَفْعَلْ حَتَّى قُتِلَ إنَّهُ أَفْضَلُ مِمَّنْ أَظْهَرَ وَقَدْ أَخَذَ الْمُشْرِكُونَ خُبَيْبَ بْنَ عُدَيٍّ فَلَمْ يُعْطِ التَّقِيَّةَ حَتَّى قُتِلَ فَكَانَ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ أَفْضَلَ مِنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ حِينَ أَعْطَى التَّقِيَّةَ وَأَظْهَرَ الْكُفْرَ فَسَأَلَ النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك

فَقَالَ كَيْفَ وَجَدْتَ قَلْبَكَ قَالَ مُطْمَئِنًّا بِالْإِيمَانِ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ عَادُوا فَعُدْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ التَّرْخِيصِ

وَرُوِيَ أَنَّ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابَ أَخَذَ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لِأَحَدِهِمَا أَتَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ قَالَ نَعَمْ قَالَ أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ قَالَ نَعَمْ فَخَلَّاهُ ثُمَّ دَعَا بِالْآخَرِ وَقَالَ أَتَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ قَالَ نَعَمْ قَالَ أَتَشْهَدُ أَنَّى رَسُولُ اللَّهِ قَالَ إنِّي أَصَمُّ قَالَهَا ثَلَاثًا فَضَرَبَ عُنُقَهُ فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَمَّا هَذَا الْمَقْتُولُ فَمَضَى عَلَى صِدْقِهِ وَيَقِينِهِ وَأَخَذَ بِفَضِيلَةٍ فَهَنِيئًا لَهُ وَأَمَّا الْآخَرُ فَقَبِلَ رُخْصَةَ اللَّهِ فَلَا تَبِعَةَ عَلَيْهِ

وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ إعْطَاءَ التَّقِيَّةِ رُخْصَةٌ وَأَنَّ الْأَفْضَلَ تَرْكُ إظهارها وكذلك قالوا أَصْحَابُنَا فِي كُلِّ أَمْرٍ كَانَ فِيهِ إعْزَازُ الدِّينِ فَالْإِقْدَامُ عَلَيْهِ حَتَّى يُقْتَلَ أَفْضَلُ مِنْ الْأَخْذِ بِالرُّخْصَةِ فِي الْعُدُولِ عَنْهُ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ بَذَلَ نَفْسَهُ لِجِهَادِ الْعَدُوِّ فَقُتِلَ كَانَ أَفْضَلَ مِمَّنْ انْحَازَ وَقَدْ وَصَفَ اللَّهُ أَحْوَالَ الشُّهَدَاءِ بَعْدَ الْقَتْلِ وَجَعَلَهُمْ أَحْيَاءً مَرْزُوقِينَ فَكَذَلِكَ بَذْلُ النَّفْسِ فِي إظْهَارِ دِينِ اللَّهِ تعالى وترك إظهار الكفر أفضل من إعطاء التَّقِيَّةِ فِيهِ وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ وَنَظَائِرِهَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنْ لَا وِلَايَةَ لِلْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي شَيْءٍ وَأَنَّهُ إذَا كَانَ لَهُ ابْنٌ صَغِيرٌ مُسْلِمٌ بِإِسْلَامِ أُمِّهِ فَلَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ فِي تَصَرُّفٍ وَلَا تَزْوِيجٍ وَلَا غَيْرِهِ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الذِّمِّيَّ لَا يَعْقِلُ جِنَايَةَ الْمُسْلِمِ وَكَذَلِكَ الْمُسْلِمُ لَا يَعْقِلُ جِنَايَتَهُ لِأَنَّ ذلك من الولاية والنصرة والمعونة

قوله تعالى وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنِ أَنَّ آلَ إبْرَاهِيمَ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ عَلَى دِينِهِ وَقَالَ الْحَسَنُ وَآلُ عِمْرَانَ الْمَسِيحُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِأَنَّهُ ابْنُ مَرْيَمَ بِنْتِ عِمْرَانَ وَقِيلَ آلُ عِمْرَانَ هُمْ آلُ إبْرَاهِيمَ كَمَا قَالَ ذُرِّيَّةً بعضها من بعض وَهُمْ مُوسَى وَهَارُونُ ابْنَا عِمْرَانَ وَجَعَلَ أَصْحَابُنَا الْآلُ وَأَهْلَ الْبَيْتِ وَاحِدًا فِيمَنْ يُوصِي لِآلِ فُلَانٍ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ لِأَهْلِ بَيْتِ فُلَانٍ فَيَكُونُ لِمَنْ يَجْمَعُهُ وَإِيَّاهُ الْجَدُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>