أَنَّهُ تَأْوِيلٌ مِنْ الرَّاوِي فِي قَوْلِهِ أَوْجَبَ النَّارَ بِالْقَتْلِ لِأَنَّهُ قَالَ يَعْنِي بِالْقَتْلِ وَالثَّانِي أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ رَقَبَةَ الْقَتْلِ لَذَكَرَ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً فَلَمَّا لَمْ يَشْرِطْ لَهُمْ الْإِيمَانَ فِيهَا دَلَّ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ وَأَيْضًا فَإِنَّمَا أَمَرَهُمْ بِأَنْ يُعْتِقُوا عَنْهُ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِمْ عِتْقُهَا عَنْهُ وَأَيْضًا فَإِنْ عَتَقَ الْغَيْرُ عَنْ الْقَاتِلِ لَا يُجْزِيهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ قَوْله تَعَالَى فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ جَعَلَ اللَّهُ مِنْ صِفَةِ رَقَبَةِ الْقَتْلِ الْإِيمَانَ وَلَا خِلَافَ أَنَّهَا لَا تُجْزِي إلَّا بِهَذِهِ الصفة وهذا يدل على أن عِتْقُ الرَّقَبَةِ الْمُؤْمِنَةِ أَفْضَلُ مِنْ الْكَافِرَةِ لِأَنَّ هَذِهِ الصِّفَةَ قَدْ صَارَتْ شَرْطًا فِي الْفَرْضِ وَكَذَلِكَ مَنْ نَذَرَ أَنْ يُعْتِقَ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً لَمْ تُجْزِهِ الْكَافِرَةُ لِأَنَّهُ أَوْجَبَهَا مَقْرُونَةً بِصِفَةٍ هِيَ قُرْبَةٌ وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الصَّدَقَةَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَفْضَلُ مِنْهَا عَلَى الْكُفَّارِ الذِّمِّيِّينَ وَإِنْ كَانَتْ تَطَوُّعًا وَكَذَلِكَ جَعَلَ اللَّهُ التَّتَابُعَ فِي صَوْمِ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ صِفَةً زَائِدَةً وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يُجْزِي إلَّا بِهَذِهِ الصِّفَةِ مَعَ الْإِمْكَانِ وَكَذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُنَا فِيمَنْ أَوْجَبَ صَوْمَ شَهْرٍ مُتَتَابِعٍ أَنَّهُ لَا يُجْزِيهِ التَّفْرِيقُ لِإِيجَابِهِ إيَّاهُ بِصِفَةٍ هِيَ قُرْبَةٌ فَوَجَبَتْ حِينَ أَوْجَبَهَا كَمَا وَجَبَ الْمَنْذُورُ مِنْ الصَّوْمِ قَوْله تَعَالَى فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ لَمْ يَخْتَلِفْ الْفُقَهَاءُ أَنَّهُ إذَا صَامَ بِالْأَهِلَّةِ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ النُّقْصَانُ وَأَنَّهَا إنْ كَانَتْ نَاقِصَةً أَوْ تَامَّةً أَجْزَأْته
وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَعُدُّوا ثَلَاثِينَ
فَأَمَرَ بِاعْتِبَارِ الشُّهُورِ بِالْأَهِلَّةِ وَأَمَرَ عِنْدَ عَدَمِ الرُّؤْيَةِ بِاعْتِبَارِ الثَّلَاثِينَ وَإِنْ ابْتَدَأَ صِيَامَ الشَّهْرَيْنِ مِنْ بَعْضِ الشَّهْرِ اُعْتُبِرَ الشَّهْرُ الثَّانِي بِالْهِلَالِ وَبَقِيَّةُ الشَّهْرِ الْأَوَّلِ بِالْعَدَدِ تَمَامُ ثَلَاثِينَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَعْتَبِرُ الْأَهِلَّةَ إلَّا أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءَ صَوْمِهِ بِالْهِلَالِ وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّهُ قَدْ رُوِيَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ أَنَّهَا بَقِيَّةُ ذِي الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمِ وَصَفَرٍ وَرَبِيعٍ الْأَوَّلَ وَبَقِيَّةٍ مِنْ رَبِيعٍ الْآخَرَ فَاعْتُبِرَ الْكَسْرُ بِالْأَيَّامِ عَلَى التَّمَامِ وَسَائِرُ الشُّهُورِ بِالْأَهِلَّةِ وَقَوْلُهُ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ مَعْلُومٌ أَنَّهُ كَلَّفَنَا التَّتَابُعُ عَلَى حَسْبِ الْإِمْكَانِ وَفِي الْعَادَةِ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَخْلُو مِنْ حَيْضٍ فِي كُلِّ شَهْرٍ وَلِذَلِكَ
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ تَحِيضِي فِي عِلْمِ اللَّهِ سِتًّا أَوْ سَبْعًا كَمَا تَحِيضُ النِّسَاءُ فِي كُلِّ شَهْرٍ
فَأَخْبَرَ أَنَّ عَادَةَ النِّسَاءِ حَيْضَةً فِي كُلِّ شَهْرٍ فَإِذَا كَانَ تَكْلِيفُ صَوْمِ التَّتَابُعِ عَلَى حَسَبِ الْإِمْكَانِ وَفِي الْعَادَةِ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَخْلُو مِنْ حَيْضٍ فِي كُلِّ شَهْرٍ وَلِذَلِكَ
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute