أَنْ يَكُونَ الْكَلْبُ قَدْ جَرَحَهُ جِرَاحَةً لَا يُعَاشُ مِنْ مِثْلِهَا إلَّا مِثْلَ حَيَاةِ الْمَذْبُوحِ وذلك بأن قَدْ قَطَعَ أَوْدَاجَهُ أَوْ شَقَّ جَوْفَهُ فَأَخْرَجَ حَشْوَتَهُ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ كَانَتْ جِرَاحَتُهُ ذَكَاةً لَهُ سَوَاءٌ أَمْكَنَ بَعْدَ ذَلِكَ ذَبْحُهُ أَوْ لَمْ يُمْكِنْ فَهَذَا الَّذِي تَكُونُ جِرَاحَةُ الْكَلْبِ ذَكَاةً لَهُ وَأَمَّا الْوَجْهُ الْآخَرُ فَهُوَ أَنْ يَعِيشَ مِنْ مِثْلِهَا إلَّا أَنَّهُ اتَّفَقَ مَوْتُهُ بَعْدَ وُقُوعِهِ فِي يَدِهِ فِي وَقْتٍ لَمْ يَكُنْ يَقْدِرُ عَلَى ذَبْحِهِ فَهَذَا لَا يَكُونُ مُذَكًّى
لِأَنَّ تِلْكَ الْجِرَاحَةَ قَدْ كَانَتْ مُرَاعَاةً عَلَى حُدُوثِ الْمَوْتِ قَبْلَ حُصُولِهِ فِي يَدِهِ وَإِمْكَانِ ذَكَاتِهِ فَإِذَا صَارَ فِي يَدِهِ حَيًّا بَطَلَ حُكْمُ الْجِرَاحَةِ وَصَارَ بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ الْبَهَائِمِ الَّتِي يُصِيبُهَا جِرَاحَاتٌ غَيْرُ مُذَكِّيَةٍ لَهَا مِثْلُ الْمُتَرَدِّيَةِ وَالنَّطِيحَةِ وَغَيْرِهِمَا فَلَا يَكُونُ ذَكَاتُهُ إلَّا بِالذَّبْحِ وَاخْتَلَفُوا فِي الصَّيْدِ يَغِيبُ عَنْ صَاحِبِهِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَزُفَرُ إذَا تَوَارَى عَنْهُ الصَّيْدُ وَالْكَلْبُ وَهُوَ فِي طَلَبِهِ فَوَجَدَهُ قَدْ قَتَلَهُ جَازَ أَكْلُهُ وَإِنْ تَرَكَ الطَّلَبَ وَاشْتَغَلَ بِعَمَلٍ غَيْرِهِ ثُمَّ ذَهَبَ فِي طَلَبِهِ فَوَجَدَهُ مَقْتُولًا وَالْكَلْبُ عِنْدَهُ كَرِهْنَا أَكْلَهُ وَكَذَلِكَ قَالُوا فِي السَّهْمِ إذَا رَمَاهُ بِهِ فَغَابَ عَنْهُ وَقَالَ مَالِكٌ إذَا أَدْرَكَهُ مِنْ يَوْمِهِ أَكَلَهُ فِي الْكَلْبِ وَالسَّهْمِ جَمِيعًا وَإِنْ كَانَ مَيِّتًا إذَا كَانَ فِيهِ أَثَرُ جِرَاحَةٍ وَإِنْ بَاتَ عَنْهُ لَمْ يَأْكُلْهُ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ إذَا رَمَاهُ فَغَابَ عَنْهُ يَوْمًا أَوْ لَيْلَةً كَرِهْت أَكْلَهُ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ إنْ وَجَدَهُ مِنْ الْغَدِ مَيِّتًا وَوَجَدَ فِيهِ سَهْمُهُ أو أثرا في أكله وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَأْكُلَهُ إذَا غَابَ عَنْهُ قَالَ أَبُو بَكْرٍ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ كُلْ مَا أَصْمَيْتَ وَدَعْ مَا أَنْمَيْت وَفِي خَبَرٍ آخَرَ عَنْهُ وَمَا غَابَ عَنْك لَيْلَةً فَلَا تَأْكُلْهُ وَالْإِصْمَاءُ مَا أَدْرَكَهُ مِنْ سَاعَتِهِ وَالْإِنْمَاءُ مَا غَابَ عَنْهُ
وَرَوَى الثَّوْرِيُّ عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْن أَبِي رَزِينٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّيْدِ إذَا غَابَ عَنْك مَصْرَعُهُ كَرِهَهُ
وَذَكَرَ هَوَامَّ الْأَرْضِ وَأَبُو رَزِينٍ هَذَا لَيْسَ بِأَبِي رَزِينٍ الْعُقَيْلِيِّ صَاحِبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا هُوَ أَبُو رَزِينٍ مَوْلَى أَبِي وَائِلٍ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إذَا تَرَاخَى عَنْ طَلَبِهِ لَمْ يَأْكُلْهُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَغِبْ عَنْهُ وَأَمْكَنَهُ أَنْ يُدْرِكَ ذَكَاتَهُ فَلَمْ يَفْعَلْ حَتَّى مَاتَ أَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ فَإِذَا لَمْ يَتْرُكُ الطَّلَبَ وَأَدْرَكَهُ مَيِّتًا فَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُدْرِكُ ذَكَاتَهُ فَكَانَ قَتْلُ الْكَلْبِ أَوْ السَّهْمِ لَهُ ذَكَاةً لَهُ وَإِذَا تَرَاخَى عَنْ الطَّلَبِ فَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ لَوْ طَلَبَهُ فِي فَوْرِهِ أَدْرَكَ ذَكَاتَهُ ثُمَّ لَمْ يَفْعَلْ حَتَّى مَاتَ فَإِنَّهُ لَا يُؤْكَلُ فَإِذَا لَمْ يَتْرُكْ الطَّلَبَ وَأَدْرَكَ حَيَاتَهُ تَيَقَّنَ أَنَّ قَتْلَ الْكَلْبِ لَيْسَ بِذَكَاةٍ لَهُ فَلَا يَجُوزُ أَكْلُهُ أَلَا تَرَى أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ وَإِنْ شَارَكَهُ كَلْبٌ آخَرُ فَلَا تَأْكُلْهُ
فَلَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ الثَّانِي قَتَلَهُ فَحَظَرَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute