تُوجِبُ صَرْفَهُ عَنْ الظَّاهِرِ وَأَيْضًا فَلَوْ حُمِلَ عَلَى ذَلِكَ لَزَالَتْ فَائِدَتُهُ إذْ كَانَتْ مُؤْمِنَةً وقد تقدم في الآية ذكر المؤمنات وَأَيْضًا لَمَّا كَانَ مَعْلُومًا أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ طَعَامُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى كَذَلِكَ قَوْلُهُ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ هُوَ عَلَى الْكِتَابِيَّاتِ دُونَ الْمُؤْمِنَاتِ وَيَحْتَجُّ لِلْقَائِلَيْنِ بِتَحْرِيمِهِنَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ قِيلَ لَهُ إنَّمَا ذَلِكَ فِي الْحَرْبِيَّةِ إذَا خَرَجَ زَوْجُهَا مُسْلِمًا أَوْ الْحَرْبِيُّ تَخْرُجُ امْرَأَتُهُ مسلمة ألا ترى إلى قوله وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا وَأَيْضًا فَلَوْ كَانَ عُمُومًا لَخَصَّهُ قَوْلُهُ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي نِكَاحِ الْكِتَابِيَّاتِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَا تَحِلُّ نِسَاءُ أَهْلِ الْكِتَابِ إذَا كَانُوا حَرْبًا وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ إلى قوله وَهُمْ صاغِرُونَ قَالَ الْحَكَمُ حَدَّثْت بِذَلِكَ إبْرَاهِيمَ فَأَعْجَبَهُ وَلَمْ يفرق في غَيْرَهُ مِمَّنْ ذَكَرْنَا قَوْلَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ بَيْنَ الْحَرْبِيَّاتِ وَالذِّمِّيَّاتِ وَظَاهِرُ الْآيَةِ يَقْتَضِي جَوَازَ نِكَاحِ الْجَمِيعِ لِشُمُولِ الِاسْمِ لَهُنَّ قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَمِمَّا يَحْتَجُّ بِهِ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْله تَعَالَى لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالنِّكَاحُ يُوجِبُ الْمَوَدَّةَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ نِكَاحُ الْحَرْبِيَّاتِ مَحْظُورًا لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إنَّمَا يَقَعُ عَلَى أَهْلِ الْحَرْبِ لِأَنَّهُمْ فِي حَدٍّ غَيْرِ حَدِّنَا وَهَذَا عِنْدَنَا إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى الْكَرَاهَةِ وَأَصْحَابُنَا يَكْرَهُونَ مُنَاكَحَاتِ أَهْلِ الْحَرْبِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَقَدْ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي نِكَاحِ الْمَرْأَةِ مِنْ بَنِي تَغْلِبَ
فَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَتَعَلَّقُوا مِنْ النَّصْرَانِيَّةِ إلَّا بِشُرْبِ الْخَمْرِ
وَهُوَ قَوْلُ إبْرَاهِيمَ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ لَوْ لَمْ يَكُونُوا مِنْهُمْ إلَّا بِالْوِلَايَةِ لَكَانُوا مِنْهُمْ وَاخْتُلِفَ أَيْضًا فِي نِكَاحِ الْأَمَةِ الْكِتَابِيَّةِ وَقَدْ ذَكَرْنَا اخْتِلَافَ الْفُقَهَاءِ فِيهِ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ وَمَنْ تَأَوَّلَ قوله وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ عَلَى الْحَرَائِرِ جَعَلَ الْإِبَاحَةَ مَقْصُورَةَ عَلَى نِكَاحِ الْحَرَائِرِ مِنْ الْكِتَابِيَّاتِ وَمَنْ تَأَوَّلَهُ عَلَى الْعِفَّةِ أَبَاحَ نِكَاحَ الْإِمَاءِ الْكِتَابِيَّاتِ وَاخْتُلِفَ فِي الْمَجُوسِ فَقَالَ جُلُّ السَّلَفِ وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ لَيْسُوا أَهْلَ الْكِتَابِ وَقَالَ آخَرُونَ هُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ وَالْقَائِلُونَ بِذَلِكَ شَوَاذٌّ وَالدَّلِيلُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute