للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَحَبَّتْ قُرَيْشُ غَلَبَةَ فَارِسٍ لِأَنَّهُمْ جَمِيعًا لَيْسُوا بأهل الكتاب فَخَاطَرَهُمْ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالْقِصَّةُ فِي ذَلِكَ مَشْهُورَةٌ وَأَمَّا مَنْ قَالَ إنَّهُمْ كَانُوا أَهْلَ كِتَابٍ ثُمَّ ذَهَبَ مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ وَيَجْعَلهُمْ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَإِنَّ هَذَا لَا يَصِحُّ وَلَا يُعْلَمُ ثُبُوتُهُ وَإِنْ ثَبَتَ أَوْجَبَ أَنْ لَا يَكُونُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لِأَنَّ الْكِتَابَ قَدْ ذَهَبَ مِنْهُمْ وَهُمْ الْآنَ غَيْرُ مُنْتَحِلِينَ لِشَيْءٍ مِنْ كُتُبِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي الصَّابِئِينَ هُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أَمْ لَا فَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَيْسُوا أَهْلَ كِتَابٍ وَكَانَ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ يَقُولُ الصَّابِئُونَ الَّذِينَ هُمْ عنده مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ قَوْمٌ يَنْتَحِلُونَ دِينَ الْمَسِيحِ ويقرؤن الْإِنْجِيلَ فَأَمَّا الصَّابِئُونَ الَّذِينَ يَعْبُدُونَ الْكَوَاكِبَ وَهُمْ الَّذِينَ بِنَاحِيَةِ حَرَّانَ فَإِنَّهُمْ لَيْسُوا بِأَهْلِ كِتَابٍ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصَّابِئُونَ الَّذِينَ يُعْرَفُونَ بِهَذَا الِاسْمِ فِي هَذَا الْوَقْتِ لَيْسَ فِيهِمْ أَهْلُ كِتَابٍ وَانْتِحَالُهُمْ فِي الْأَصْلِ وَاحِدٌ أَعْنِي الَّذِينَ بِنَاحِيَةِ حَرَّانَ وَاَلَّذِينَ بِنَاحِيَةِ الْبَطَائِحِ فِي سَوَادِ وَاسِطَ وَأَصْلُ اعْتِقَادِهِمْ تَعْظِيمُ الْكَوَاكِبِ السَّبْعَةِ وَعِبَادَتُهَا وَاِتِّخَاذُهَا آلِهَةً وَهُمْ عَبَدَةُ الْأَوْثَانِ فِي الْأَصْلِ إلَّا أَنَّهُمْ مُنْذُ ظَهَرَ الْفُرْسُ على إقليم العراق مَمْلَكَةَ الصَّابِئِينَ وَكَانُوا نَبَطًا لَمْ يَجْسُرُوا عَلَى عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ ظَاهِرًا لِأَنَّهُمْ مَنَعُوهُمْ مِنْ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ الرُّومُ وَأَهْلُ الشَّامِّ وَالْجَزِيرَةِ كَانُوا صَابِئِينَ فَلَمَّا تَنَصَّرَ قُسْطَنْطِينُ حَمَلَهُمْ بِالسَّيْفِ عَلَى الدُّخُولِ فِي النَّصْرَانِيَّةِ فَبَطَلَتْ عِبَادَةُ الْأَوْثَانِ مِنْ ذَلِكَ الوقت ودخلوا في عمار النَّصَارَى فِي الظَّاهِرِ وَبَقِيَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ عَلَى تِلْكَ النِّحْلَةِ مُسْتَخِفِّينَ بِعِبَادَةِ الْأَوْثَانِ فَلَمَّا ظَهَرَ الْإِسْلَامُ دَخَلُوا فِي جُمْلَةِ النَّصَارَى وَلَمْ يُمَيِّزْ المسلمين بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ النَّصَارَى إذْ كَانُوا مُسْتَخِفِّينَ بِعِبَادَةِ الْأَوْثَانِ كَاتِمِينَ لِأَصْلِ الِاعْتِقَادِ وَهُمْ أَكْتَمْ النَّاسِ لَاعْتِقَادِهِمْ وَلَهُمْ أُمُورٌ وَحِيَلٌ فِي صِبْيَانِهِمْ إذَا عَقَلُوا فِي كِتْمَانِ دِينِهِمْ وَعَنْهُمْ أَخَذَتْ الْإِسْمَاعِيلِيَّة كِتْمَانَ الْمَذْهَبِ وَإِلَى مَذْهَبِهِمْ انْتَهَتْ دَعْوَتُهُمْ وَأَصْلُ الْجَمِيعِ اتِّخَاذُ الْكَوَاكِبِ السَّبْعَةِ آلِهَةً وَعِبَادَتُهَا وَاِتِّخَاذُهَا أَصْنَامًا عَلَى أَسْمَائِهَا لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ بَيْنَ الَّذِينَ بِنَاحِيَةِ حَرَّانَ وَبَيْنَ الَّذِينَ بِنَاحِيَةِ الْبَطَائِحِ فِي شَيْءٍ مِنْ شَرَائِعِهِمْ وَلَيْسَ فِيهِمْ أَهْلَ كِتَابٍ فَاَلَّذِي يَغْلِبُ فِي ظَنِّي فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الصَّابِئِينَ أَنَّهُ شَاهَدَ قَوْمًا مِنْهُمْ أَنَّهُمْ يَظْهَرُونَ أنهم من النصارى وأنهم يقرؤن الإنجيل وينتحلون دِينَ الْمَسِيحِ تَقِيَّةً لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْفُقَهَاءِ لَا يَرَوْنَ إقْرَارَ مُعْتَقَدِي مَقَالِهِمْ بِالْجِزْيَةِ وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُمْ إلَّا الْإِسْلَامُ أَوْ السَّيْفُ وَمَنْ كَانَ اعْتِقَادُهُ مِنْ الصَّابِئِينَ

<<  <  ج: ص:  >  >>