جهة أخرى أن إثبات النية شرطا فِي التَّيَمُّمِ جَائِزٌ مَعَ قَوْلِهِ التُّرَابُ طَهُورُ الْمُسْلِمِ وَلَا يَجُوزُ مِثْلُهُ فِي الْوُضُوءِ وَذَلِكَ لِأَنَّ قَوْلَهُ فَتَيَمَّمُوا يَقْتَضِي إيجَابَ النِّيَّةِ إذْ كَانَ التَّيَمُّمُ هُوَ الْقَصْدُ فِي اللُّغَةِ
وَقَوْلُهُ التُّرَابُ طَهُورُ الْمُسْلِمِ
وَارِدٌ مِنْ طَرِيقِ الْآحَادِ فَوَاجِبٌ أَنْ يَكُونَ الْخَبَرُ مُرَتَّبًا عَلَى الْآيَةِ إذْ غَيْرُ جَائِزٍ تَرْكُ حُكْمِ الْآيَةِ بِالْخَبَرِ وَتَجُوزُ الزِّيَادَةُ فِي حُكْمِ الْخَبَرِ بِالْآيَةِ وَلَيْسَ ذَلِكَ كَقَوْلِهِ وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ مَاءً طَهُوراً لِأَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يُزَادَ فِي نَصِّ الْقُرْآنِ إلَّا بِمِثْلِ مَا يَجُوزُ بِهِ نَسْخُهُ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا قَوْله تَعَالَى وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ فأبان تَعَالَى عَنْ وُقُوعِ التَّطْهِيرِ بِالْمَاءِ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ النِّيَّةِ فِيهِ فَإِنْ قِيلَ لَمَّا كَانَ قوله تعالى فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ الْآيَةُ مُقْتَضِيًا لِفَرْضِ الطَّهَارَةِ فَمِنْ حَيْثُ كَانَ فَرْضًا وَجَبَ أَنْ تَكُونَ النِّيَّةُ شَرْطًا فِي صِحَّتِهِ لِاسْتِحَالَةِ وُقُوعِ الْفِعْلِ مَوْقِعَ الْفَرْضِ إلَّا بِالنِّيَّةِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْفَرْضَ يُحْتَاجُ فِي صِحَّةِ وقوعه إلى نيتين أحدهما نِيَّةُ التَّقَرُّبِ بِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَالْأُخْرَى نِيَّةُ الْفَرْضِ فَإِذَا لَمْ يَنْوِهِ لَمْ تُوجَدْ صِحَّةُ الْفَرْضِ فَلَمْ يَجُزْ عَنْ الْفَرْضِ إذْ هو غير فاعل المأمور بِهِ قِيلَ لَهُ إنَّمَا يَجِبُ مَا ذَكَرْت فِي الْفُرُوضِ الَّتِي هِيَ مَقْصُودَةٌ لِأَعْيَانِهَا وَلَمْ تُجْعَلْ سَبَبًا لِغَيْرِهَا فَأَمَّا مَا كَانَ شَرْطًا لِصِحَّةِ فِعْلٍ آخَرَ فَلَيْسَ يَجِبُ ذَلِكَ فِيهِ بنفس ورود الأمر إلا بدلالة تقاربه فَلَمَّا جَعَلَ اللَّهُ الطَّهَارَةَ شَرْطًا لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ وَلَمْ تَكُنْ مَفْرُوضَةً لِنَفْسِهَا لِأَنَّ مَنْ لَا صَلَاةَ عَلَيْهِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ فَرْضُ الطَّهَارَةِ كَالْمَرِيضِ الْمُغْمَى عَلَيْهِ أَيَّامًا وَكَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَقَالَ تَعَالَى إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَقَالَ وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا فَجَعَلَهُ شَرْطًا فِي غَيْرِهِ وَلَمْ يَجْعَلْهُ مَأْمُورًا بِهِ لِنَفْسِهِ فَاحْتَاجَ مُوجِبُ النِّيَّةِ شَرْطًا فِيهِ إلَى دَلَالَةٍ مِنْ غَيْرِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ كَثِيرًا مِمَّا هُوَ شَرْطٌ فِي الْفَرْضِ وَلَيْسَ بِمَفْرُوضٍ بِعَيْنِهِ فَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ مِنْ فِعْلِ غَيْرِهِ نَحْوُ الْوَقْتِ الَّذِي هُوَ شَرْطٌ فِي صحة أداء الصلاة ولا صنع للمصلي وَنَحْوُ الْبُلُوغِ وَالْعَقْلِ اللَّذَيْنِ هُمَا شَرْطٌ فِي صِحَّةِ التَّكْلِيفِ وَلَيْسَا بِفِعْلِ الْمُكَلَّفِ فَبَانَ بِمَا وَصَفْنَا أَنَّ وُرُودَ لَفْظِ الْأَمْرِ بِمَا جُعِلَ شَرْطًا فِي غَيْرِهِ لَا يَقْتَضِي وُقُوعُهُ طَاعَةً مِنْهُ وَلَا إيجَابَ النِّيَّةِ فِيهِ أَلَا تَرَى أن قوله تعالى وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ وَإِنْ كَانَ أَمْرًا بِتَطْهِيرِ الثَّوْبِ مِنْ النَّجَاسَةِ فَإِنَّهُ لَمْ يُوجِبْ كَوْنَ النِّيَّةِ شَرْطًا فِي تطهيره إذا لَمْ تَكُنْ إزَالَةُ النَّجَاسَةِ مَفْرُوضَةً لِنَفْسِهَا وَإِنَّمَا هِيَ شَرْطٌ فِي غَيْرِهَا وَإِنَّمَا تَقْدِيرُهُ لَا تُصَلِّ إلَّا فِي ثَوْبٍ طَاهِرٍ وَلَا تُصَلِّ إلَّا مَسْتُورَ الْعَوْرَةِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَدْ وَافَقَنَا عَلَى أَنَّ رَجُلًا لو قعد في المطر ينوى الطهارة «٢٢- أحكام لث»
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute